وَأَيْضًا فَإِذَا حَلَفَ بِصِيغَةِ الْقَسَمِ، كَقَوْلِهِ: عَبِيدِي أَحْرَارٌ لَأَفْعَلَنَّ، أَوْ نِسَائِي طَوَالِقُ لَأَفْعَلَنَّ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: مَالِي صَدَقَةٌ لَأَفْعَلَنَّ، وَعَلَيَّ الْحَجُّ لَأَفْعَلَنَّ.
وَالَّذِي يُوَضِّحُ التَّسْوِيَةَ: أَنَّ الشَّافِعِيَّ إِنَّمَا اعْتَمَدَ فِي الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى فِدْيَةِ الْخُلْعِ، فَقَالَ فِي الْبُوَيْطِيِّ - وَهُوَ كِتَابٌ مِصْرِيٌّ مِنْ أَجْوَدِ كُتُبِهِ -: وَذَلِكَ أَنَّ الْفُقَهَاءَ يُسَمُّونَ الطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَ بِسَبَبٍ: طَلَاقًا بِصِفَةٍ، وَيُسَمُّونَ ذَلِكَ الشَّرْطَ صِفَةً. وَيَقُولُونَ: " إِذَا وُجِدَتِ الصِّفَةُ فِي زَمَانِ الْبَيْنُونَةِ، وَإِذَا لَمْ تُوجَدِ الصِّفَةُ "، وَنَحْوَ ذَلِكَ.
وَهَذِهِ التَّسْمِيَةُ لَهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا الطَّلَاقَ مَوْصُوفٌ بِصِفَةٍ، لَيْسَ طَلَاقًا مُجَرَّدًا عَنْ صِفَةٍ. فَإِنَّهُ إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ، أَوْ إِذَا طَهُرْتِ، فَقَدْ وَصَفَ الطَّلَاقَ بِالزَّمَانِ الْخَاصِّ. فَإِنَّ الظَّرْفَ صِفَةٌ لِلْمَظْرُوفِ. وَكَذَلِكَ إِذَا قَالَ: إِنْ أَعْطَيْتِنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَدْ وَصَفَهُ بِعِوَضِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ نُحَاةَ الْكُوفَةِ يُسَمُّونَ حُرُوفَ الْجَرِّ وَنَحْوِهَا حُرُوفَ الصِّفَاتِ. فَلَمَّا كَانَ هَذَا مُعَلَّقًا بِالْحُرُوفِ الَّتِي قَدْ تُسَمَّى حُرُوفَ الصِّفَاتِ، سُمِّيَ طَلَاقًا بِصِفَةٍ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفٍ.
وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ هُوَ الْأَصْلُ، فَإِنَّ هَذَا يَعُودُ إِلَيْهِ، إِذِ النُّحَاةُ إِنَّمَا سَمَّوْا حُرُوفَ الْجَرِّ حُرُوفَ الصِّفَاتِ؛ لِأَنَّ الْجَارَّ وَالْمَجْرُورَ يَصِيرُ فِي الْمَعْنَى صِفَةً لِمَا تَعَلَّقَ بِهِ.
فَإِذَا كَانَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ إِنَّمَا اعْتَمَدُوا فِي الطَّلَاقِ الْمَوْصُوفِ عَلَى طَلَاقِ الْفِدْيَةِ الْمَذْكُورِ فِي الْقُرْآنِ، وَقَاسُوا كُلَّ طَلَاقٍ بِصِفَةٍ عَلَيْهِ، صَارَ هَذَا كَمَا أَنَّ النَّذْرَ الْمُعَلَّقَ بِشَرْطٍ مَذْكُورٍ فِي قَوْلِهِ: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} [التوبة: ٧٥]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute