للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَالطَّلَاقِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي غَيْرِهِمَا مِنْ أَيْمَانِ نَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ. فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَيَقْتُلَنَّ النَّفْسَ أَوْ لَيَقْطَعَنَّ رَحِمَهُ أَوْ لَيَمْنَعَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ - مِنْ أَدَاءِ أَمَانَةٍ وَنَحْوِهَا - فَإِنَّهُ يَجْعَلُ الطَّلَاقَ عُرْضَةً لِيَمِينِهِ أَنْ يَبَرَّ وَيَتَّقِيَ وَيُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ، أَكْثَرَ مِمَّا يَجْعَلُ اللَّهَ عُرْضَةً لِيَمِينِهِ، ثُمَّ إِنْ وَفَّى بِيَمِينِهِ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ ضَرَرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مَا قَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ الدُّخُولِ فِيهِ، وَإِنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَفِي الطَّلَاقِ أَيْضًا مِنْ ضَرَرِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ مَا لَا خَفَاءَ بِهِ.

أَمَّا الدِّينُ: فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ بِاتِّفَاقِ الْأُمَّةِ مَعَ اسْتِقَامَةِ حَالِ الزَّوْجَيْنِ: إِمَّا كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ أَوْ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَا فِي غَايَةِ الِاتِّصَالِ وَبَيْنَهُمَا مِنَ الْأَوْلَادِ وَالْعِشْرَةِ مَا يَجْعَلُ فِي طَلَاقِهِمَا فِي أَمْرِ الدِّينِ ضَرَرًا عَظِيمًا، وَكَذَلِكَ ضَرَرُ الدُّنْيَا، كَمَا يَشْهَدُ بِهِ الْوَاقِعُ، بِحَيْثُ لَوْ خُيِّرَ أَحَدُهُمَا بَيْنَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَالِهِ وَوَطَنِهِ وَبَيْنَ الطَّلَاقِ، لَاخْتَارَ فِرَاقَ مَالِهِ وَوَطَنِهِ عَلَى الطَّلَاقِ، وَقَدْ قَرَنَ اللَّهُ فِرَاقَ [الْوَطَنِ] بِقَتْلِ النَّفْسِ. وَلِهَذَا قَالَ أحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ مُتَابَعَةً لعطاء: إِنَّهَا إِذَا أَحْرَمَتْ بِالْحَجِّ فَحَلَفَ عَلَيْهَا زَوْجُهَا بِالطَّلَاقِ أَنَّهَا لَا تَحُجُّ، صَارَتْ مُحْصَرَةً وَجَازَ لَهَا التَّحَلُّلُ، لِمَا عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ مِنَ الضَّرَرِ الزَّائِدِ عَلَى ضَرَرِ الْإِحْصَارِ بِالْعَدُوِّ أَوِ الْقَرِيبِ مِنْهُ.

وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إِذَا قَالَ: إِنْ فَعَلْتُ كَذَا فَعَلَيَّ أَنْ أُطَلِّقَكِ أَوْ أَعْتِقَ عَبِيدِي، فَإِنَّ هَذَا مِنْ نَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ بِالِاتِّفَاقِ، كَمَا لَوْ قَالَ: وَاللَّهِ لَأُطَلِّقَنَّكِ، أَوْ لَأَعْتِقَنَّ عَبِيدِي، وَإِنَّمَا الْفَرْقُ بَيْنَ وُجُودِ الْعِتْقِ وَوُجُوبِهِ: هُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْمُفَرِّقُونَ، وَسَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: ١]

<<  <   >  >>