فَإِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ بِالنَّذْرِ أَوْ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالْعَتَاقِ أَنْ لَا يَبَرَّ وَلَا يَتَّقِيَ وَلَا يُصْلِحَ، فَهُوَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: إِنْ وَفَّى ذَلِكَ فَقَدْ جَعَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ عُرْضَةً لِيَمِينِهِ أَنْ يَبَرَّ وَيَتَّقِيَ وَيُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ. وَإِنْ حَنِثَ فِيهَا وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ فِعْلُ الْمَنْذُورِ، فَقَدْ يَكُونُ خُرُوجُ أَهْلِهِ وَمَالِهِ عَنْهُ أَبْعَدَ عَنِ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى مِنَ الْأَمْرِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَقَامَ عَلَى يَمِينِهِ تَرَكَ الْبِرَّ وَالتَّقْوَى، وَإِنْ خَرَجَ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ تَرَكَ الْبِرَّ وَالتَّقْوَى، فَصَارَتْ عُرْضَةً لِيَمِينِهِ أَنْ يَبَرَّ وَيَتَّقِيَ، فَلَا يَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ إِلَّا بِالْكَفَّارَةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ.
فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ همام عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «وَاللَّهِ لَأَنْ يَلِجَ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ فِي أَهْلِهِ آثَمُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يُعْطِيَ كَفَّارَتَهُ الَّتِي افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ» "، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عكرمة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنِ اسْتَلَجَ فِي أَهْلِهِ [بِيَمِينٍ] فَهُوَ أَعْظَمُ إِثْمًا» ". فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ اللَّجَاجَ بِالْيَمِينِ فِي أَهْلِ الْحَالِفِ أَعْظَمُ إِثْمًا مِنَ التَّكْفِيرِ. وَاللَّجَاجُ: هُوَ التَّمَادِي فِي الْخُصُومَةِ، وَمِنْهُ قِيلَ: رَجُلٌ لَجُوجٌ: إِذَا تَمَادَى فِي الْمُخَاصَمَةِ، وَلِهَذَا تُسَمِّي الْعُلَمَاءُ هَذَا: نَذْرَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ، فَإِنَّهُ يَلِجُ حَتَّى يُعَقِّدَهُ، ثُمَّ يَلِجُ فِي الِامْتِنَاعِ مِنَ الْحِنْثِ، فَبَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ اللَّجَاجَ بِالْيَمِينِ أَعْظَمُ إِثْمًا مِنَ الْكَفَّارَةِ، وَهَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْأَيْمَانِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ: " «إِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفِّرْ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute