وَإِنَّمَا جَمَعَ بَيْنَ الْأَفْعَالِ الثَّلَاثَةِ وَإِنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةَ الْأَجْنَاسِ؛ لِأَنَّهُ يَجْمَعُهَا مُشَابَهَةُ الْبَهَائِمِ فِي الصَّلَاةِ، فَنَهَى عَنْ مُشَابَهَةِ فِعْلِ الْغُرَابِ، وَعَمَّا يُشْبِهُ فِعْلَ السَّبُعِ، وَعَمَّا يُشْبِهُ فِعْلَ الْبَعِيرِ، وَإِنْ كَانَ نَقْرُ الْغُرَابِ أَشَدَّ مِنْ ذَيْنِكَ الْأَمْرَيْنِ لِمَا فِيهِ مِنْ أَحَادِيثَ أُخَرَ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ قتادة عَنْ أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اعْتَدِلُوا فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَلَا يَبْسُطَنَّ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ» ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ بَيَّنَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: " أَنَّهُ مِنْ صَلَاةِ الْمُنَافِقِينَ "، وَاللَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ لَنْ يَقْبَلَ عَمَلَ الْمُنَافِقِينَ.
فَرَوَى مسلم فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، يُمْهِلُ حَتَّى إِذَا كَانَتِ الشَّمْسُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ قَامَ فَنَقَرَ أَرْبَعًا، لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا» ، فَأَخْبَرَ أَنَّ الْمُنَافِقَ يُضَيِّعُ وَقْتَ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ، وَيُضَيِّعُ فِعْلَهَا وَيَنْقُرُهَا، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى ذَمِّ هَذَا وَهَذَا، وَإِنْ كَانَ كِلَاهُمَا تَارِكًا لِلْوَاجِبِ.
وَذَلِكَ حُجَّةٌ وَاضِحَةٌ فِي أَنَّ نَقْرَ الصَّلَاةِ غَيْرُ جَائِزٍ، وَأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ مَنْ فِيهِ نِفَاقٌ وَالنِّفَاقُ كُلُّهُ حَرَامٌ، وَهَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِهَا وَهُوَ مُفَسِّرٌ لِحَدِيثٍ قَبْلَهُ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: ١٤٢] [النِّسَاءِ] ، وَهَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ لِمَنْ يَنْقُرُ فِي صَلَاتِهِ فَلَا يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ بِالِاعْتِدَالِ وَالطُّمَأْنِينَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute