للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا تَسْقُطُ بِالْأَعْذَارِ، فَلَيْسَ الِاصْطِفَافُ إِلَّا بَعْضَ وَاجِبَاتِهَا، فَسَقَطَ بِالْعَجْزِ فِي الْجَمَاعَةِ كَمَا يَسْقُطُ غَيْرُهُ فِيهَا وَفِي سُنَنِ الصَّلَاةِ؛ وَلِهَذَا كَانَ تَحْصِيلُ الْجَمَاعَةِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ وَالْمَرَضِ وَنَحْوِهِمَا - مَعَ اسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ وَالْعَمَلِ الْكَثِيرِ وَمُفَارَقَةِ الْإِمَامِ، وَمَعَ تَرْكِ الْمَرِيضِ الْقِيَامَ - أَوْلَى مِنْ أَنْ يُصَلُّوا وُحْدَانًا؛ وَلِهَذَا ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ أحمد إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْمُؤْتَمِّ عَلَى إِمَامِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ كَحَالِ الزِّحَامِ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، وَقَدْ رُوِيَ فِي بَعْضِ صِفَاتِ صَلَاةِ الْخَوْفِ؛ وَلِهَذَا سَقَطَ عِنْدَهُ وَعِنْدَ غَيْرِهِ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ مَا يُعْتَبَرُ لِلْجَمَاعَةِ مِنْ عَدْلِ الْإِمَامِ وَحِلِّ الْبُقْعَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِلْحَاجَةِ، فَجَوَّزُوا - بَلْ أَوْجَبُوا - فِعْلَ صَلَوَاتِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْخَوْفِ وَالْمَنَاسِكِ وَنَحْوِ ذَلِكَ خَلْفَ الْأَئِمَّةِ الْفَاجِرِينَ وَفِي الْأَمْكِنَةِ الْمَغْصُوبَةِ، إِذَا أَفْضَى تَرْكُ ذَلِكَ إِلَى تَرْكِ الْجُمْعَةِ وَالْجَمَاعَةِ، أَوْ إِلَى فِتْنَةٍ فِي الْأُمَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ جابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " «لَا يَؤُمَّنَّ فَاجِرٌ مُؤْمِنًا إِلَّا أَنْ يَقْهَرَهُ بِسُلْطَانٍ يَخَافُ سَيْفَهُ أَوْ سَوْطَهُ» " لِأَنَّ غَايَةَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ عَدْلُ الْإِمَامِ وَاجِبًا، فَيَسْقُطُ بِالْعُذْرِ كَمَا سَقَطَ كَثِيرٌ مِنَ الْوَاجِبَاتِ فِي جَمَاعَةِ الْخَوْفِ بِالْعُذْرِ.

وَمَنِ اهْتَدَى لِهَذَا الْأَصْلِ - وَهُوَ أَنَّ نَفْسَ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ تَسْقُطُ بِالْعُذْرِ، وَكَذَلِكَ الْوَاجِبَاتُ فِي الْجَمَاعَاتِ وَنَحْوِهَا - فَقَدَ هُدِيَ لِمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ مِنَ التَّوَسُّطِ بَيْنَ إِهْمَالِ بَعْضِ وَاجِبَاتِ الشَّرِيعَةِ رَأْسًا، كَمَا قَدْ يُبْتَلَى بِهِ بَعْضُهُمْ، وَبَيْنَ الْإِسْرَافِ فِي ذَلِكَ الْوَاجِبِ حَتَّى يُفْضِيَ إِلَى تَرْكِ غَيْرِهِ مِنَ الْوَاجِبَاتِ الَّتِي هِيَ أَوْكَدُ مِنْهُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْأَوْكَدُ مَقْدُورًا عَلَيْهِ، كَمَا قَدْ

<<  <   >  >>