للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رابعًا: معلومٌ أن ابن الجوزيّ كان من كبار الحنابلة، وهذا سبب ما نراه من عناية ظاهرة بأعمار الحنابلة، وهو ما يُفسِّر لنا أيضًا إغفالَه لأعمار بعض العلماء الأعيان ممّن لهم شُهرةٌ ونباهة، فمِعْيار "الأعيان" عنده -فى غالب الأمر- الحَنبليّة أولًا، ثم يأتى بعض المشاهير الآخرين، فى مناصبهم أو فى علومهم، وعلى ذلك لا نستطيع أن نقول إنه استقصى "الأعيان" بالمعايير العامَّة.

خامسًا: ابن الجوزيّ بغداديّ المولد والوفاة، وهو مشدودُ النظر إلى بغداد، لا يكاد يُديرُ وجهَه عنها، ولذلك يبدو فى كنابه المنتظم -وهو أشهر مصنَّفاته التاريخية- كما يقول الدكتور شاكر مصطفى: "بغداديًّا عراقيًّا، لا إسلاميًّا عالميًّا؛ لأنه يركز جهودَه على تاريخ بغداد بالذات، ذاكرًا فى ختام حوادث كلِّ سنةٍ وفَيات الرجال فيها، وهم بدَوْرِهم بغداديون فى الأغلب" (١).

فلا عجب إذن أن يكون معظم "أعيانه" فى هذا الكتاب من البغداديّين، فكأنَّ "البغداديّة" هى المعيارُ الثانى عندَه بعد "الحنبلية" ولا نَكِرَةَ -إن شاء الله- فإن حبَّ البلد (٢)، والعصبيّة للمذهب مما هو مركوزٌ فى الطِّباع.

* * *


(١) التاريخ العربيّ والمؤرِّخون ٢/ ١٠٨، ١٠٩.
(٢) ممَّا يُسْتأنَسُ به هنا قول بهاء الدين محمد بن إبراهيم بن النحاس المتوفى سنة ٦٩٨، فى مقدمة كتابه هدى مهاة الكلّتين ص ٧٣، ٧٤: "فإن بعض من يعزّ علىَّ جاءني بقصيدة الأديب العالم الفاضل المتقن شهاب الدين محاسن بن إسماعل بن علي بن أحمد بن الحسين بن إبراهيم الحلبى المعروف بالشَّوّاء، تغمَّده الله برحمته، التى جمع فيها بعض ما يقال بالياء والواو، والتمس منّى أن أنبِّه على ما جمعه منها، فنشطنى لذلك جامعُ البَلَديَّة، وأن أومئ إلى مقدار ما اشتمل عليه أهل بلدى من الفضائل، وما امتازوا به من العلوم التى لم يحرِّر مثلها إلَّا أكابر الأوائل".

<<  <  ج: ص:  >  >>