للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: فلهذا تمنّيْتُ موته (١).

* * *

أبو منصور هِبةُ الله بن علىّ بن عَقِيل (*)

تُوفِّىَ لأربَعَ عَشْرةَ سنة.

كان قد حَفِظ القرآن، وتفقَّه، وتُوفّى وهو ابن أربعَ عَشْرةَ، ولمَ يَبلُغْ. وكان له كلامٌ يدلُّ على عَقْلٍ غَزيرٍ وفَهْمٍ ودِينٍ.

قرأتُ بخَطِّ أبيه أبى الوفاء -وكان هذا الصَّبىُّ قد طال مرضُه، وأنْفَق عليه أبوه مالًا فى المرض وبالَغَ- قال أبو الوفاء: قال لى ابْنِى لمَّا تقَارَبَ أجَلُه: يا سَيِّدى، قد أنفَقْتَ وبالَغْتَ فى الأدوية والطبِّ والأَدْعية، وللهِ سبحانه فِىَّ اخْتِيارٌ، فدَعْنِى مع اختيار الله تعالى.

قال أبو الوفاء: فو اللهِ ما أنْطَقَ اللهُ سبحانه وَلدى بهذه المَقالَةِ التى تُشاكِلُ قولَ إسحاقَ لإِبراهيمَ: {افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} (٢) إلَّا وقد اختاره اللهُ للحُظْوة (٣).

* * *


(١) تاريخ بغداد ٦/ ٣٧، وطبقات الحنابلة ١/ ٨٩، ٩٠، وبرد الأكباد عند فقد الأولاد ص ٢٩ وذكره المصنِّف فى أثناء ترجمة "الحربى" من صفة الصفوة ٢/ ٤٠٩، ٤١٠.
(*) وُلد فى ذى الحجة سنة أربع وسبعين وأربعمائة، وتُوفى سنة ثمان وثمانين وأربعمائة المنتظم ٩/ ٩٧، والذيل على طبقات الحنابلة ١/ ١٦٥، والمنهج الأحمد ٢/ ٢٣٢، وشذرات الذهب ٤/ ٤٠.
(٢) سورة الصافات ١٠٢.
وقوله: "التى تُشاكل قول إسحاق لإِبراهيم" هذا على أن الذَّبيح هو إسحاق، وهو أحد قولين، والقول الثاني أنه إسماعيل. وقد نصره الإِمام ابن قيّم الجوزيَّة رحمه الله، قال: "وإسماعيل هو الذّبيح على القول الصواب عند علماء الصحابة والتابعين، ومَن بَعْدهم.
وأما القولُ بأنه إسحاق فباطلٌ بأكثر من عشرين وجهًا، وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدَّس اللهُ رُوحَه يقول: هدا القولُ إنما هو مُتلقَّى عن أهل الكتاب، مع أنه باطلٌ بنَصّ كتابهم، فإنَّ فيه: إن الله أمر إبراهيم أن يذبح ابنَه بِكْرَه، وفى لفظٍ: وَحِيدَه، ولا يشكُّ أهلُ الكتاب مع المسلمين أن إسماعيل هو بِكْرُ أولادِه. والذى غَرَّ أصحابَ هذا القول أن فى التوراة التى بأيديهم: اذبحْ ابنَكَ إسحاق، قال: وهذه الزيادة مِن تحريفهم وكذبهم؛ لأنها تُناقض قولَه: اذبَحْ بِكْرَك ووحيدَك، ولكنَّ اليهودَ حسدَتْ بنى إسماعيل على هذا الشَّرف، وأحبُّوا أن يكون لهم، وأن يَسُوقُوه إليهم، ويحتازوه لأنفسهم دُونَ العرب، ويأبى اللهُ إلَّا أن يَجعلَ فضْلَه لأهلِه. . ." زاد المعاد ١/ ٧١، ٧٢. وانظر زاد المسير ٧/ ٧٢، ٧٣، وتفسير ابن كثير ٧/ ٢٣.
(٣) بهامش الأصل: "فى كتاب الثَّبات عندَ الممات لابن الجوزى: قال أبو الوفاء بن عقيل: مات ولدى عقيل، وكان قد تفقَّه وناظرَ وجمَع أدبًا حَسَنًا، فتعَزَّيْتُ بقصَّة عَمرِو بن عبد وُدّ الذى قتله علىُّ بن أبى طالب، فقالت أُمُّه تَرْثيه:
لو كان قاتلُ عَمرٍو غير قاتِلِه ... ما زِلتُ أبكى عليه دائمَ الأَبَدِ
لكنَّ قاتلَهُ مَن لا يُقادُ به ... من كان يُدْعَى أبوه بَيْضَةَ الَبَلدِ" =

<<  <  ج: ص:  >  >>