ذِكْرُ ذَرْعِ الْمَقَامِ وَصِفَتِهِ وَمَا كَانَ عَلَيْهِ إِلَى الْيَوْمِ، وَتَفْسِيرِ ذَلِكَ
ذَرْعُ الْمَقَامِ مُرَبَّعٌ، سَعَةُ أَعْلَاهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أُصْبُعًا فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ أُصْبُعًا، وَمِنْ أَسْفَلِهِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَفِي طَرَفَيْهِ مِنْ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ كَانَ فِيمَا مَضَى مِنَ الزَّمَانِ طَوْقَانِ: طَوْقٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَبَيْنَ الطَّوْقَيْنِ مِنْ حَجَرِ الْمَقَامِ بَارِزٌ لَا ذَهَبَ عَلَيْهِ، طُولُهُ مِنْ نَوَاحِيهِ كُلِّهَا تِسْعُ أَصَابِعَ، وَعَرْضُهُ عَشْرُ أَصَابِعَ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُجْعَلَ عَلَيْهِ الذَّهَبُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ مِنْ عَمَلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ جَعْفَرٍ الْمُتَوَكِّلِ عَلَى اللهِ، وَعَرْضُ حَجَرِ الْمَقَامِ مِنْ نَوَاحِيهِ إِحْدَى وَعِشْرُونَ أُصْبُعًا، وَوَسَطُهُ مُرَبَّعٌ، وَالْقَدَمَانِ دَاخِلَتَانِ فِي الْحَجَرِ سَبْعَ أَصَابِعَ، وَدُخُولُهُمَا مُنْحَرِفَتَانِ، وَبَيْنَ الْقَدَمَيْنِ مِنَ الْحَجَرِ أُصْبُعَانِ، وَوَسَطُهُ قَدِ اسْتَدَقَّ مِنَ التَّمَسُّحِ بِهِ فِيمَا مَضَى، وَالْمَقَامُ فِي حَوْضٍ مِنْ سَاجٍ مُرَبَّعٍ حَوْلَهُ رَصَاصٌ، وَعَلَى الْحَوْضِ صَفَائِحُ
⦗٤٨٢⦘
كَانَتْ وَحِيَاضٌ تُلْبَسُ بِهَا وَهِيَ الْيَوْمَ فِضَّةٌ، وَمِنَ الْمَقَامِ فِي الْحَوْضِ أُصْبُعَانِ، وَعَلَى الْمَقَامِ صُنْدُوقٌ سَاجٌ مَقْبُوٌّ وَمِنْ وَرَاءِ الْمَقَامِ مُلَبَّنٌ مِنْ سَاجٍ فِي الْأَرْضِ وَفِي طَرَفَيْهِ سِلْسِلَتَانِ تَدْخُلَانِ فِي أَسْفَلِ الصُّنْدُوقِ، وَيُقْفَلُ فِيهِمَا قُفْلَانِ لَا يُفَارِقُهُمَا حَتَّى يَخْرُجَ السُّلْطَانُ إِلَى الصَّلَاةِ، فَإِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ جَاءَ الْقَيِّمَانِ عَلَى الْمَقَامِ، وَهُمَا خَادِمَانِ مِنْ خَدَمِ الْكَعْبَةِ، فَفَتَحَا الْقُفْلَيْنِ فَإِذَا قَامَ الْإِمَامُ فِي مُصَلَّاهُ كَشَفَا لَهُ عَنِ الْمَقَامِ حَتَّى يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، وَالْمَقَامُ مَكْشُوفٌ، فَإِذَا قَضَى الصَّلَاةَ أَقْفَلَاهُ إِلَى مِثْلِهَا، وَكَذَلِكَ كَانَ حَتَّى كَانَ سَنَةُ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ فَجَاءَ إِسْحَاقُ بْنُ سَلَمَةَ إِلَى مَكَّةَ، وَقَدْ أَمَرَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ جَعْفَرٌ الْمُتَوَكِّلُ عَلَى اللهِ بِعَمَلِهِ فَعَمِلَهُ عَمَلَهُ الَّذِي وَصَفْنَا مُتَقَدِّمًا، وَإِنَّمَا كَانَ الْمَقَامُ يُكْشَفُ لِلْخَلِيفَةِ، وَلِوَالِي مَكَّةَ لَا غَيْرِهِمَا حَتَّى كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يُكْشَفُ لِأَصْحَابِ الشُّرَطِ وَأَصْحَابِ الْحَرَسِ، فَهُوَ عَلَى ذَلِكَ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا، فَكَانَ الْمَقَامُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا حَتَّى كَانَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، وَعَلَى مَكَّةَ يَوْمَئِذٍ الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ فَمُطِرَتْ مَكَّةُ مَطَرًا شَدِيدًا حَتَّى سَالَ الْوَادِي، وَدَخَلَ السَّيْلُ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ، فَامْتَلَأَ الْمَسْجِدُ، وَبَلَغَ الْمَاءُ قَرِيبًا مِنَ الْحَجَرِ، فَجَاءَ غِلْمَانٌ مِنْ غِلْمَانِ الْكَعْبَةٍ وَخَدَمِهَا إِلَى الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ، فَأَخْبَرُوهُ بِذَلِكَ، وَأَنَّهُمْ يَخَافُونَ عَلَى الْمَقَامِ، فَأَمَرَ بِرَفْعِ الْمَقَامِ مِنْ مَوْضِعِهِ، وَإِدْخَالِهِ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَيَّامٍ أَمَرَ بِعَمَلِ الْمَقَامِ، فَجُعِلَتْ لَهُ أَحْجَارٌ أَرْبَعَةٌ، فَرَكِبَ بَعْضُهَا بَعْضًا وَهُنْدِمَتْ وَسُوِّيَتْ وَنُقِشَتْ، وَرُفِعَتْ عَلَى مِقْدَارِ
⦗٤٨٣⦘
مَوْضِعِ الْمَقَامِ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ حُفِرَ مَوْضِعُ الْمَقَامِ قَدْرَ ذِرَاعٍ وَثُلُثٍ فِي ذِرَاعٍ وَثُلُثٍ سَخًّا فِي الْأَرْضِ، وَوَجَدُوا الْمَاءَ قَدْ عَمِلَ فِي كُرْسِيِّ الْخَشَبِ فَأَكَلَهُ مُتَقَدِّمًا حَتَّى أَفْسَدَهُ وَخَرَّبَهُ، فَأَمَرَ بِعَمَلِهِ، وَهُوَ حَاضِرٌ ذَلِكَ، وَأَمَرَ بِفُسْطَاطٍ فَضُرِبَ عَلَى الْمَقَامِ، وَهُوَ حَاضِرٌ، وَأَحْضَرَ ابْنَ أَبِي مَسَرَّةَ، وَالْعَلَاءَ بْنَ عَبْدِ الْجَبَّارِ وَنَاسًا مِنْ الْحَجَبَةِ فَلَمَّا قَرَّرَ الْمَقَامَ وَأَخْرَجَ تُرَابَهُ، وَكَانَ الَّذِي عَمِلَهُ وَبَنَاهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ حُوَارٍ فَصَبَّ النَّوْرَةَ وَالْمَرْمَرَ ثُمَّ بَنَى ذَلِكَ بِحَضْرَتِهِ بِهَذِهِ الْأَحْجَارِ الْمُهَنْدَمَةِ الْمَنْقُوشَةِ الْمُرَبَّعَةِ، وَجَعَلَ حَجَرًا مِنْهَا مَنْقُوشًا، فَقَرَّرَ الْمَقَامَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ أَرْبَعَةَ أَحْجَارٍ حَوْلَ كُرْسِيِّ الْحَجَرِ يَلْتَقِي بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، فَأُلْصِقَتْ وَقُوِّرَتْ بَيْنَهَا فِي الْإِلْصَاقِ، وَأَظْهَرَ مِنْهَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ شِبْرًا أَوْ أَقَلَّ حَوْلَ الْكُرْسِيِّ؛ لِئَلَّا يَصِلَ الْمَاءُ إِذَا جَاءَ إِلَى الْبِنَاءِ، ثُمَّ جَعَلَ كُرْسِيَّ الْفِضَّةِ وَكُرْسِيَّ الْخَشَبِ، وَسَمَّرُوا بِهِ فَصَارَ ظُهُورُ الْحِجَارَةِ إِذَا كُشِفَ الْمَقَامُ ذِرَاعَيْنِ: ذِرَاعَ بِنَاءٍ، وَذِرَاعَ ارْتِفَاعِ الْمَقَامِ، وَكَانَ مِقْدَارُ مُكْثِ الْمَقَامِ فِي الْكَعْبَةِ إِلَى أَنْ رُدَّ إِلَى مَوْضِعِهِ عَلَى هَذَا الْبِنَاءِ شَهْرًا وَاحِدًا، وَكَانَ الْإِمَامُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الَّتِي كَانَ فِيهَا الْفُسْطَاطُ عَلَى الْمَقَامِ يُصَلِّي وَهُوَ مُسْتَتِرٌ وَالنَّاسُ مِنْ وَرَاءِ الْفُسْطَاطِ إِلَّا مَنِ اسْتَقْبَلَ بَابَ الْفُسْطَاطِ، وَكَانَتْ عَلَى الْمَقَامِ قَبْلَ أَنْ يُعْمَلَ هَذَا الْعَمَلُ قُبَّةٌ مِنْ خَشَبِ السَّاجِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ قُدِّرَتْ عَلَيْهِ، فَلَمْ تَقْدِرْ، فَعَمِلُوا لَهُ قُبَّةً أُخْرَى مَنْقُوشَةً مَقْبُوَّةً فَهِيَ عَلَيْهِ إِلَى الْيَوْمِ، وَكَانَ كَذَلِكَ حَتَّى كَانَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، فَأَخَذَ الْأَمِيرُ الذَّهَبَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ مِنْ عَمَلِ الْمَهْدِيِّ الْقَدِيمِ، فَزَادَ عَلَيْهِ وَعَمِلَ الْمَقَامَ عَمَلًا جَدِيدًا، وَأَقَامَ أَيَّامًا فِي دَارِ الْإِمَارَةِ حَتَّى عُمِلَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ عَمَلِهِ حُمِلَ إِلَى مَوْضِعِهِ يَوْمَ الْأَحَدِ لِخَمْسِ لَيَالٍ مَضَيْنَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ سَنَةِ تِسْعٍ ... وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute