للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَلَقَدْ حَدَّثَنِي أَبُو عِمْرَانَ أَيْمَنُ بْنُ نَابِلٍ، عَنْ قُدَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمَّارٍ الْكِلَابِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ، لَا طَرْدَ، وَلَا ضَرْبَ، وَلَا إِلَيْكَ إِلَيْكَ " وَإِنَّ أَعْوَانَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَؤُلَاءِ قَدْ آذَوُا النَّاسَ وَطَرَدُوهُمْ، فَسَكَتَ عَنْهُ وَقَدْ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ الْمَهْدِيُّ أَمَرَ بِعِمَارَةِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالزِّيَادَةِ فِيهِ فِي حَجَّتِهِ الْأُولَى، فَعُمِّرَ وَزِيدَ فِيهِ مَا وَصَفْنَا، فَكَانَ فِيهِ تَعْوِيجٌ، فَلَمَّا قَدِمَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ رَأَى الْكَعْبَةَ فِي شِقٍّ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَكَرِهَ ذَلِكَ، وَأَحَبَّ أَنْ تَكُونَ مُتَوَسِّطَةً فِي الْمَسْجِدِ، قَالَ: فَدَعَا الْمُهَنْدِسِينَ فَشَاوَرَهُمْ فِي ذَلِكَ، فَقَدَّرُوا ذَلِكَ، وَإِذَا هُوَ لَا يَسْتَوِي لَهُمْ مِنْ أَجْلِ الْوَادِي وَالسَّيْلِ، وَقَالُوا: إِنَّ وَادِيَ مَكَّةَ يَسِيلُ أَسْيَالًا عَظِيمَةً عَارِمَةً، وَهُوَ وَادٍ حَدُورٌ، وَنَحْنُ نَخَافُ إِنْ حَوَّلْنَا الْوَادِيَ مِنْ مَكَانِهِ أَنْ لَا يَنْصَرِفَ لَنَا عَلَى مَا نُرِيدُ مَعَ أَنَّ مَا وَرَاءَهُ مِنَ الدُّورِ وَالْمَسَاكِنِ مَا تَكْثُرُ فِيهِ الْمَؤُونَةُ، وَلَعَلَّهُ أَنْ لَا يَتِمَّ، قَالَ: فَقَالَ لَهُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ: لَا بُدَّ لِي مِنْ أَنْ أُوَسِّعَهُ حَتَّى أُوَسِّطَ الْكَعْبَةَ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَوْ أَنْفَقْتُ فِيهِ مَا فِي بُيُوتِ الْأَمْوَالِ، وَعَظُمَتْ فِي ذَلِكَ نِيَّتُهُ، وَاشْتَدَّتْ رَغْبَتُهُ، وَلَهَجَ بِعَمَلِهِ، وَكَانَ مِنْ أَكْبَرِ هَمِّهِ، فَقُدِّرَ ذَلِكَ وَهُوَ حَاضِرٌ، وَنُصِبَتِ الرِّمَاحُ عَلَى الدُّورِ مِنْ أَوَّلِ مَوْضِعِ الْوَادِي إِلَى آخِرِهِ، ثُمَّ ذَرَعُوا مِنْ فَوْقِ الرِّمَاحِ حَتَّى عَرَفُوا مَا يَدْخُلُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِنْ ذَلِكَ، وَمَا يَكُونُ الْوَادِي فِيهِ

⦗١٧٣⦘

مِنْهُ، فَلَمَّا نَصَبُوا الرِّمَاحَ عَلَى جَنَبَتَيِ الْوَادِي، وَعُلِمَ مَا يَدْخُلُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ ذَلِكَ، وَزَنُوهُ مَرَّةً أُخْرَى وَقَدَّرُوا ذَلِكَ، فَلَمَّا أَرَادَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ الشُّخُوصَ إِلَى الْعِرَاقِ خَلَّفَ أَمْوَالًا عَظِيمَةً، فَاشْتَرَوْا مِنَ النَّاسِ دُورَهُمْ، وَأَرْغِبُوهُمْ فَكَانَ ثَمَنُ مَا دَخَلَ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ ذَلِكَ، كُلُّ ذِرَاعٍ مُكَسَّرٍ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ دِينَارًا، وَعَنْ كُلِّ ذِرَاعٍ دَخَلَ فِي الْوَادِي مُكَسَّرًا خَمْسَةَ عَشَرَ دِينَارًا، وَأَرْسَلَ إِلَى مِصْرَ وَإِلَى الشَّامِ، فَنُقِلَتْ لَهُ أَسَاطِينُ الرُّخَامِ فِي السُّفُنِ حَتَّى أُنْزِلَتْ بِجُدَّةَ، ثُمَّ نُقِلَتْ عَلَى الْعَجَلِ مِنْ جُدَّةَ إِلَى مَكَّةَ، وَوَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ فَهَدَمُوا الدُّورَ وَبَنَوُا الْمَسْجِدَ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ، فَكَانَ ابْتِدَاؤُهُمْ فِيمَا ذَكَرُوا مِنْ أَعْلَى الْمَسْجِدِ مِنْ بَابِ بَنِي هَاشِمٍ الَّذِي يَسْتَقْبِلُ الْوَادِيَ وَالْبَطْحَاءَ، وَوُسِّعَ ذَلِكَ الْبَابُ وَجُعِلَ بِإِزَائِهِ مِنْ أَسْفَلِ الْمَسْجِدِ مُسْتَقْبِلَهُ بَابًا آخَرَ، وَهُوَ الْبَابُ الَّذِي يَسْتَقْبِلُ فَجَّ خَطِّ الْحِزَامِيَّةِ، يُقَالُ لَهُ الْيَوْمَ: بَابُ الْبَقَّالِينَ، فَقَالَ الْمُهَنْدِسُونَ: إِنْ جَاءَ سَيْلٌ عَظِيمٌ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ، وَلَمْ يُحْمَلْ فِي شِقِّ الْكَعْبَةِ، وَهَدَمُوا أَكْثَرَ دَارِ ابْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ الْعَايِدِيِّ، وَجَعَلُوا الْمَسْعَى وَالْوَادِيَ فِيهَا، وَهَدَمُوا مَا كَانَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْوَادِي مِنَ الدُّورِ، ثُمَّ حَرَّفُوا الْوَادِيَ فِي مَوْضِعِ الدُّورِ حَتَّى لَقَوْا بِهِ الْوَادِيَ الْقَدِيمَ بِبَابِ أَجْيَادَ الْكَبِيرِ بِفَمِ خَطِّ الْحِزَامِيَّةِ، فَالَّذِي زِيدَ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ شِقِّ الْوَادِي تِسْعُونَ ذِرَاعًا مِنْ مَوْضِعِ جَدْرِ الْمَسْجِدِ الْأَوَّلِ إِلَى مَوْضِعِهِ الْيَوْمَ، وَإِنَّمَا كَانَ عَرْضُ الْمَسْجِدِ الْأَوَّلُ مِنْ جَدْرِ الْكَعْبَةِ الْيَمَانِيِّ إِلَى جَدْرِ الْمَسْجِدِ الْيَمَانِيِّ الشَّارِعِ عَلَى الْوَادِي الَّذِي يَلِي بَابَ الصَّفَا تِسْعَةً وَأَرْبَعِينَ ذِرَاعًا وَنِصْفَ ذِرَاعٍ، ثُمَّ بَنَى مُنْحَدَرًا حَتَّى دَخَلَتْ دَارُ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا فِيهِ، وَكَانَتْ عِنْدَهَا بِئْرٌ جَاهِلِيَّةٌ كَانَ قُصَيُّ بْنُ كِلَابٍ حَفَرَهَا، فَدَخَلَتْ تِلْكَ الْبِئْرُ فِي الْمَسْجِدِ، فَحَفَرَ الْمَهْدِيُّ عِوَضًا مِنْهَا الْبِئْرَ الَّتِي عَلَى بَابِ الْبَقَّالِينَ فِي جَدْرِ رُكْنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الْيَوْمَ

⦗١٧٤⦘

وَهَذِهِ الْبِئْرُ قَائِمَةٌ فِي أَصْلِ الْمَنَارَةِ إِلَى الْيَوْمِ، يَنْتَفِعُ النَّاسُ بِهَا وَيَسْقُونَ مِنْهَا، وَقَدْ كَانَ الْحَارِثُ بْنُ عِيسَى عَمَّرَهَا فِي سَنَةِ سِتِّينَ وَمِائَةٍ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عَلَى خَرَاجِ مَكَّةَ وَصَوَافِيهَا مَعَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْهَاشِمِيِّ، وَأَحَاطَ عَلَيْهَا بِجَدْرٍ مِنْ حِجَارَةٍ، وَشَيَّدَهُ بِالنُّورَةِ، وَجَعَلَ مُنْتَهَى الْحَوْطِ لَاصِقًا بِجَدْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الْيَمَانِيِّ، ثُمَّ أَحَاطَ الْبِنَاءَ حِوَاطًا إِلَى بَابِ الْبَقَّالِينَ، وَأَحْكَمَ الْعَرْصَةَ الَّتِي يَقُومُ فِيهَا الْمُسْتَقِي مِنَ الْبِئْرِ، وَجَعَلَ عَلَى ذَلِكَ الْحَوَاطِ طَاقًا، وَجَعَلَ عَلَيْهِ بَابًا يُغْلَقُ وَيُفْتَحُ، وَكَتَبَ عَلَى وَجْهِ الطَّاقِ كِتَابًا بِالْجَصِّ هُوَ قَائِمٌ إِلَى الْيَوْمِ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْمَلِكِ الْحَقِّ الْمُبِينِ، وَصَلَّى الله عَلَى مُحَمَّدٍ سَيِّدِ الْعَالَمِينَ، سِقَايَةٌ مُبَاحَةٌ لِبَادِي الْمُسْلِمِينَ وَحَاضِرِهِمْ، مُحَرَّمٌ أُجْرَتُهَا، رَحِمَ اللهُ مَنْ دَعَا لِمَنْ أَبَاحَهَا بِخَيْرٍ ثُمَّ مَضَوْا بِبَابِهِ بِأَسَاطِينِ الرُّخَامِ، وَسَقَّفَهُ بِالسَّاجِ الْمُذَهَّبِ الْمَنْقُوشِ، فَكَانَ الْعُمَّالُ يَعْمَلُونَ كَذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ أَحْكَمَ الْعَمَلِ وَأَتْقَنَهِ، وَيَمُدُّهُمُ الْمَهْدِيُّ بِالْأَمْوَالِ، وَدَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ وَقَدِ انْتَهَوْا إِلَى آخِرِ مُنْتَهَى أَسَاطِينِ الرُّخَامِ مِنْ أَسْفَلِ الْمَسْجِدِ، فَتُوُفِّيَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ الْمَهْدِيُّ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ، وَلَمْ يُتِمَّ بِنَاءَ الْمَسْجِدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>