للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٦٠٤ - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الزُّبَيْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ نَحْوًا مِنَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ، وَزَادَ فِيهِ: فَقَالَ ابْنُ جَعْفَرٍ: أَتَعْرِفُ مُعَلِّمَتَهَا؟ قَالَ: وَكَيْفَ لَا أَعْرِفُهَا وَبِصَوْتٍ لَهَا بُلِيتُ؟ قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: سَمِعْتُ سَلَّامَةَ تَقُولُ بِصَوْتٍ لَهَا لَمْ أَسْمَعْ أَحْسَنَ مِنْهُ، فَأَحْبَبْتُهَا مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الصَّوْتِ قَالَ: أَتُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَهُ؟ قَالَ: وَكَيْفَ لِي بِذَلِكَ؟ لَعَلَّهُ يُسَلِّي عَنِّي بَعْضَ مَا أَجِدُ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ لِعَزَّةَ، وَعَزَّةُ كَانَتْ مُعَلِّمَةً تُعَلِّمُ الْغِنَاءَ: ابْرُزِي فَبَرَزَتْ، وَأَخَذَتْ عُودًا فَضَرَبَتْ بِهِ:

[البحر البسيط]

بَانَتْ سُعَادُ وَأَمْسَى حَبْلُهَا انْقَطَعَا

حَتَّى أَتَمَّتْ صَوْتَهَا، فَغُشِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ شَهِيقٍ شَدِيدٍ، فَقَالَ ابْنُ جَعْفَرٍ: أَثِمْنَا فِيهِ، الْمَاءَ الْمَاءَ فَنَضَحُوا عَلَى وَجْهِهِ الْمَاءَ، فَأَفَاقَ وَهُوَ وَالِهُ الْعَقْلِ حَيْرَانُ كَالسَّكْرَانِ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ ابْنُ جَعْفَرٍ فَقَالَ: أَبْلَغَ مِنْكَ هَذَا حُبُّ فُلَانَةَ؟ قَالَ:

⦗٣٢٩⦘

بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي هُوَ مَا تَرَى قَالَ عَبْدُ اللهِ: أَتُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ هَذَا الصَّوْتَ مِنْ سَلَّامَةَ؟ قَالَ: أَخَافُ إِنْ سَمِعْتُهُ مِنْهَا مُتُّ، وَهَا أَنَا ذَا سَمِعْتُهُ مِمَّنْ لَا أُحِبُّهَا فَمِنْ أَجْلِ حُبِّهَا كَادَتْ نَفْسِي أَنْ تَذْهَبَ، فَكَيْفَ مِنْهَا وَأَنَا لَا أَقْدِرُ عَلَى مِلْكِهَا؟ وَعَلَى اللهِ أَتَوَكَّلُ، وَأَنَا أَسْأَلُ اللهَ الصَّبْرَ وَالْفَرْجَ، إِنَّهُ عَلَى مَا يَشَاءُ قَدِيرٌ قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَتَعْرِفُ سَلَّامَةَ إِنْ رَأَيْتَهَا؟ قَالَ: وَأَعْرِفُ غَيْرَهَا قَالَ: فَإِنَّا قَدِ اشْتَرَيْنَاهَا لَكَ، وَاللهِ مَا نَظَرْتُ إِلَيْهَا وَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ تَرْفُلُ فِي الْحُلِيِّ وَالْحُلَلِ، فَقَالَ: هِيَ هَذِهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، وَاللهِ لَقَدْ أَحْيَيْتَنِي، وَفَرَّجْتَ غَمِّي، وَأَنَمْتَ عَيْنِي، وَأَبْرَأْتَ قَرْحَ فُؤَادِي، وَرَدَدْتَ إِلَيَّ عَقْلِي، وَجَعَلْتَنِي أَعِيشُ بَيْنَ قَوْمِي وَأَصْحَابِي كَالَّذِي كُنْتُ وَدَعَا لَهُ دُعَاءً كَثِيرًا فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: إِنِّي وَاللهِ لَا أَرْضَى أَنْ أُعْطِيَكَهَا هَكَذَا، يَا غُلَامُ، احْمِلْ مَعَهُ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ لِكَيْلَا تَهْتَمَّ بِهَا وَتَهْتَمَّ بِكَ قَالَ: فَرَاحَ بِهَا وَبِالْمَالِ قَالَ: وَقَالَ فِيهَا أَيْضًا:

[البحر الكامل]

مَا بَالُ قَلْبِكَ لَا يَزَالُ تُهِيجُهُ ... ذِكْرٌ عَوَاقِبُهُ عَلَيْكِ سَقَامُ

بَاتَتْ تُعَلِّلُنَا وَتَحْسَبُ أَنَّنَا ... فِي ذَاكَ أَيْقَاظٌ وَنَحْنُ نِيَامُ

حَتَّى إِذَا انْصَدَعَ الصَّبَاحُ لِنَاظِرٍ ... فَإِذَا وَذَلِكَ بَيْنَنَا أَحْلَامُ

قَدْ كُنْتُ أَعْذِلُ فِي الصِّبَا أَهْلَ الصَّبَا ... عَجَبًا بِمَا تَأْتِي بِهِ الْأَيَّامُ

فَالْيَوْمَ أَعْذُرُهُمْ وَأَعْلَمُ أَنَّمَا ... سُبُلُ الضَّلَالَةِ وَالْهُدَى أَقْسَامُ

إِنَّ الَّتِي طَرَقَتْكَ بَيْنَ رَكَائِبٍ ... تَمْشِي بِمِزْهَرِهَا وَأَنْتَ حَرَامُ

لِتَصِيدَ لُبَّكَ أَوْ جَزَاءَ مَوَدَّةٍ ... إِنَّ الرَّفِيقَ لَهُ عَلَيْكَ ذِمَامُ

لَيْتَ الْمَزَاهِرَ وَالْمَعَازِفَ جُمِّعَتْ ... طُرًّا وَأُوقِدَ بَيْنَهُنَّ ضِرَامُ

إِنْ تَنْأَ دَارُكِ لَمْ أَرَاكِ وَإِنْ أَمُتْ ... فَعَلَيْكِ مِنِّي نَظْرَةٌ وَسَلَامُ

قَالَ: وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَمَّارٍ أَيْضًا:

⦗٣٣٠⦘

[البحر الخفيف]

طَالَ لِيَلِي فَبِتُّ مَا أَطْعَمُ النَّوْمَ ... فَوَاقًا إِلَّا أَرِقْتُ فَوَاقَا

إِثْرَ حَيٍّ بَانُوا بِسَلَّامَةَ الْقَلْبِ ... يُرِيدُونَ غُرْبَةً وَفِرَاقَا

قَرَّبُوا جُلَّةَ الْجِمَالِ مَعَ الصُّبْحِ ... قُبَيْلَ الصُّبْحِ وَنُوقًا عِتَاقَا

فَاتَّبَعْتُ الْجِمَالَ بِالطَّرْفِ حَتَّى ... سُحِقَ الطَّرْفُ دُونَهُمُ انْسِحَاقَا

قَالَ: وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَمَّارٍ أَيْضًا فِي سَلَّامَةَ:

[البحر الطويل]

أَلَا قُلْ لِهَذَا الْقَلْبِ هَلْ أَنْتَ تَصْبِرُ ... وَهَلْ أَنْتَ عَنْ سَلَّامَةِ الْقَلْبِ مُقْصِرُ

يَقُولُونَ أَقْصِرْ عَنْ سُلَيْمَى وَذِكْرِهَا ... وَكَيْفَ وَفِي رَأْسِي خِشَاشٌ مُضَيَّرُ

أَرَى هَجْرَهَا وَالْقَتْلَ مِثْلَيْنِ فَاقْصُرُوا ... مَلَامَكُمُ فَالْقَتْلُ أَعْفَى وَأَيْسَرُ

وَإِنِّي أُرَجِّيهَا وَقَدْ حَالَ دُونَهَا ... مِنَ الْأَرْضِ مَجْهُولُ الْمَسَافَةِ أَغْبَرُ

إِذَا جَاوَزَتْ حَوْرَانَ مِنْ رَمْلِ عَالِجٍ ... وَأَحْرَزَهَا شَيْءٌ مَعَ الْبُعْدِ مُنْشِرُ

هُنَالِكَ لَا دَارٌ يُوَاتِيكَ قُرْبُهَا ... وَلَا وَصْلَ إِلَّا عَبْرَةٌ وَتَذَكُّرُ

أَلَا لَيْتَ أَنِّي حَيْثُ صَارَتْ بِهَا النَّوَى ... جَلِيسٌ لِسَلْمَى كُلَّمَا عَجَّ مِزْهَرُ

وَأَنِّي إِذَا مَا الْمَوْتُ حَلَّ بِنَفْسِهَا ... يُزَالُ بِنَفْسِي قَبْلَهَا حَيْثُ تُقْبَرُ

يُهِيجُ هَوَاهَا الْقَلْبَ مِنْ بَعْدِ سَلْوَةٍ ... إِلَى أُمِّ سَلَّامَ الْحَمَامُ الْمُقَرْقِرُ

إِذَا أَخَذَتْ فِي الصَّوْتِ كَادَ جَلِيسُهَا ... يَطِيرُ إِلَيْهَا قَلْبُهُ حِينَ يَنْظُرُ

كَأَنَّ حَمَامًا رَاعِبِيًّا مُؤَدِّيًا ... إِذَا نَطَقَتْ مِنْ صَدْرِهَا يَتَقَشَّرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>