للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٩١١ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي مَسَرَّةَ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسِيبٍ اللِّهْبِيُّ، عَنِ ابْنِ دَأْبٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ مَكَّةَ، أَخْرَجَ سُدَيْفَ بْنَ مَيْمُونٍ مِنَ الْحَبْسِ وَخَلَعَ

⦗١٤٦⦘

عَلَيْهِ، ثُمَّ وُضِعَ الْمِنْبَرُ فَخَطَبَ، فَأُرْتِجَ عَلَيْهِ، فَقَامَ سُدَيْفُ بْنُ مَيْمُونٍ فَقَالَ: " أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاخْتَارَهُ مِنْ قُرَيْشٍ، نَفْسُهُ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَبَيْتُهُ مِنْ بُيُوتِهِمْ، فكَانَ فِيمَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ الَّذِي حَفِظَهُ وَأَشْهَدَ مَلَائِكَتَهُ عَلَى حَقِّهِ {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: ٣٣]، وَجَعَلَ الْحَقَّ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، فَقَاتَلُوا عَلَى سُنَّتِهِ وَمِلَّتِهِ بَعْدَ عَصْرٍ مِنَ الزَّمَانِ، وَتَتَابَعَ الشَّيْطَانُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَقْوَامٍ، إِنْ رُتِقَ حَقٌّ فَتَقُوهُ، وَإِنْ فُتِقَ جَوْرٌ رَتَقُوهُ، آثَرُوا الْعَاجِلَ عَلَى الْآجِلِ، وَالْفَانِيَ عَلَى الْبَاقِي، أَهْلُ خُمُورٍ وَمَاخُورٍ وَطَنَابِيرَ وَمَزَامِيرَ، إِنْ ذُكِّرُوا اللهَ لَمْ يَذْكُرُوا، وَإِنْ قُوِّمُوا الْحَقَّ أَدْبَرُوا، بِهَذَا قَامَ زَمَانُهُمْ، وَبِهِ كَانَ يَعْمُرُ سُلْطَانُهُمْ، أَيَزْعُمُ الضُّلَّالُ، فَأُحْبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ، أَنَّ غَيْرَ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى بِالْخِلَافَةِ مِنْهُمْ، فَبِمَ، وَلِمَ أَيُّهَا النَّاسُ؟ أَلَهُمُ الْفَضْلُ بِالصَّحَابَةِ دُونَ ذَوِي الْقُرْبَى فِي النَّسَبِ، وَالْوَرَثَةِ لِلسَّلَبِ، مَعَ ضَرْبِهِمْ عَلَى الدِّينِ جَاهِلَكُمْ، وَإِطْعَامِهِمْ فِي اللَّأْوَاءِ جَائِعَكُمْ، وَأَمْنِهِمْ فِي الْخَوْفِ سَائِلَكُمْ؟ وَاللهِ مَا اخْتَرْتُمْ مِنْ حَيْثُ اخْتَارَ اللهُ لِنَفْسِهِ، مَا زِلْتُمْ تُوَلُّونَ تَيْمِيًّا مَرَّةً، وَعَدَوِيًّا مَرَّةً، وَأَسَدِيًّا مَرَّةً، وَأُمَوِيًّا مَرَّةً، حَتَّى جَاءَكُمْ مَنْ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ وَلَا نَسَبُهُ، فَضَرَبَكُمْ بِالسَّيْفِ، فَأَعْطَيْتُمُوهَا عَنْوَةً وَأَنْتُمْ كَارِهُونَ، آلُ

⦗١٤٧⦘

مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَئِمَّةُ الْهُدَى، وَمَنَارُ سُبُلِ التُّقَى، كَمْ قَصَمَ اللهُ بِهِمْ مِنْ مُنَافِقٍ طَاغٍ، وَفَاسِقٍ بَاغٍ، وَأَرْبَادٍ أَمْلَاغٍ، فَهُمُ السَّادَّةُ الْقَادَةُ الذَّادَةُ، بَنُو عَمِّ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمُنَزِّلِ جِبْرِيلَ بِالتَّنْزِيلِ، لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِ عَبَّاسٍ، لَمْ تَخْضَعْ لَهُ الْأُمَّةُ إِلَّا لِوَاجِبِ حَقِّ الْحُرْمَةِ، أَبُو رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَبِيهِ، وَإِحْدَى يَدَيْهِ، وَجِلْدَةُ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَالْمُوَثِّقُ لَهُ يَوْمَ الْعَقَبَةِ، وَأَمِينُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَرَسُولُهُ يَوْمَ مَكَّةَ، وَحَامِيهِ يَوْمَ حُنَيْنٍ عِنْدَ مُلْتَقَى الْفِئَتَيْنِ، وَالشَّافِعُ يَوْمَ نِيقِ الْعُقَابِ؛ إِذْ سَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ الْأَحْزَابِ أَقُولُ قُولِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ " وَيُقَالُ: إِنَّ سُدَيْفَ بْنَ مَيْمُونٍ كَانَ فِي حَبْسِ بَنِي أُمَيَّةَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ فِي بَنِي أُمَيَّةَ وَيُطْلِقُ فِيهِمْ لِسَانَهُ وَيَهْجُوهُمْ، وَكَانَ لَهُ فِي الْحِسَابِ فِيمَا يَزْعُمُونَ نَظَرٌ وَفِي الْأَدَبِ حَظٌّ وَافِرٌ، وَكَانَ يَجْلِسُ مَعَ لُمَّةٍ لَهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَأَهْلِ الطَّائِفِ يَسْمُرُونَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، وَنَحْوِهِ، فَيَتَحَدَّثُونَ، وَيُخْبِرُهُمْ بِدَوْلَةِ بَنِي هَاشِمٍ أَنَّهَا قَرِيبَةٌ، فَبَلَغَ ذَلِكَ مِنْ

⦗١٤٨⦘

قَوْلِهِ الْوَلِيدَ بْنَ عُرْوَةَ وَهُوَ عَلَى مَكَّةَ وَالِيًا لِمَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ، فَسَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ الطَّائِفِ يَقُولُ: فَاتَّخَذَ عَلَيْهِ الْأَرْصَادَ مَعَ أَصْحَابِهِ حَتَّى أَخَذُوهُ، فَأَخَذَهُ، فَحَبَسَهُ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْلِدُهُ كُلَّ سَبْتٍ مِائَةَ سَوْطٍ، كُلَّمَا مَضَى سَبْتٌ أَخْرَجَهُ فَضَرَبَهُ مِائَةَ سَوْطٍ حَتَّى ضَرَبَهُ أَسْبُتًا، فَلَمَّا اتَّطَأَ الْأَمْرُ لِبَنِي هَاشِمٍ، وَبُويِعَ لِأَبِي الْعَبَّاسِ بِالْخِلَافَةِ، بَعَثَ دَاوُدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، فَقَدِمَ مَكَّةَ لِيَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، فَلَمَّا سَمِعَ الْوَلِيدُ بْنُ عُرْوَةَ السَّعْدِيُّ بِدَاوُدَ أَنَّهُ يُرِيدُ مَكَّةَ أَيْقَنَ بِالْهَلَكَةِ، فَخَرَجَ هَارِبًا إِلَى الْيَمَنِ، وَقَدِمَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ مَكَّةَ، فَاسْتَخْرَجَ سُدَيْفًا مِنَ الْحَبْسِ، وَخَلَعَ عَلَيْهِ، وَأَخْلَدَهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ سُدَيْفٌ قَصِيدَتَهُ الَّتِي يَمْدَحُ فِيهَا بَنِي الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ:

[البحر الخفيف]

أَصْبَحَ الدِّينُ ثَابِتَ الْأَسَاسِ ... بِالْبَهَالِيلِ مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ

ثُمَّ وَضَعَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمِنْبَرَ، فَخَطَبَ، فَأُرْتِجَ عَلَيْهِ، فَقَامَ إِلَيْهِ سُدَيْفٌ، فَخَطَبَ بَيْنَ يَدَيْهِ الْخُطْبَةَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>