٦٤٦ - وَقَدْ قَالَ ابْنُ أُذَيْنَةَ: حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَبُو سَعِيدِ بْنُ شَبِيبٍ الرَّبَعِيُّ قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: أَنْشَدَنِي مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ التَّيْمِيُّ لِابْنِ أُذَيْنَةَ، وَقَدْ حَدَّثَنِي غَيْرُ أَبِي سَعِيدٍ بِهَذِهِ الْأَبْيَاتِ أَيْضًا:
[البحر الكامل]
⦗٣١٥⦘ نَزَلُوا ثَلَاثَ مِنًى بِمَنْزِلِ غِبْطَةٍ ... وَهُمُ عَلَى غَرَضٍ لَعَمْرُكَ مَا هُمُ
مُتَجَاوِرِينَ بِغَيْرِ دَارِ إِقَامَةٍ ... لَوْ قَدْ أَجَدَّ رَحِيلُهُمْ لَمْ يَنْدَمُوا
وَلَهُنَّ بِالْبَيْتِ الْحَرَامِ لُبَانَةٌ ... وَالْبَيْتُ يَعْرِفُهُنَّ لَوْ يَتَكَلَّمُ
لَوْ كَانَ حَيَّا قَبْلَهُنَّ ظَعَائِنًا ... حَيَّا الْحَطِيمُ وُجُوهَهُنَّ وَزَمْزَمُ
وَكَأَنَّهُنَّ وَقَدْ أَفَضْنَ لَوَاغِيًا ... دُرٌّ بِأَفْنِيَةِ الْمَقَامِ مُكَرَّمُ
ثُمَّ انْصَرَفْنَ لَهُنَّ أَفْضَلُ زِينَةٍ ... وَأَفَضْنَ فِي رَفَهٍ وَحَلَّ الْمُحْرِمُ "
وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو سَعِيدٍ بَيْتًا فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ قَوْلَهُ: مُتَجَاوِرِينَ بِغَيْرِ دَارِ إِقَامَةٍ وَقَدْ قَالَ الشُّعَرَاءُ فِي هَؤُلَاءِ النِّسَاءِ أَشْعَارًا كَثِيرَةً سَأَذْكُرُ بَعْضَهَا، قَالَ بَعْضُهُمْ:
[البحر السريع]
يَا حَبَّذَا الْمَوْسِمُ مِنْ مَشْهَدِ ... وَمَسْجِدُ الْكَعْبَةِ مِنْ مَسْجِدِ
وَحَبَّذَا اللَّائِي يُوَاجِهْنَهَا ... عِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ
كُوفِيَّةً أَوْ غَيْرَ كُوفِيَّةٍ ... بَصْرِيَّةً تَسْكُنُ فِي الْمِرْبَدِ
عُلِّقَهَا الْقَلْبُ عِرَاقِيَّةً ... مَالَتْ مِنَ الشَّمْسِ إِلَى مَقْعَدِ
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ يَذْكُرُ نِسَاءً رَآهُنَّ:
[البحر الرمل]
أَفْسَدَ الْحَجَّ عَلَيْنَا نِسْوَةٌ ... مِنْ عَبْدِ شَمْسٍ كُنَّ لِلْمَوْسِمِ زَيْنَا
وَقَالُوا نِسْوَةٌ مِنْ حَيِّ بَكْرٍ ... تَهَادَيْنَ رُوَيْدًا ثُمَّ لَا يَقْضِينَ دَيْنًا
⦗٣١٦⦘ وَقَالَ شَاعِرٌ آخَرُ:
[البحر الطويل]
وَبِالْبَلَدِ الْمَيْمُونِ مِمَّا يَلِي الصَّفَا ... فَتَاةٌ كَقَرْنِ الشَّمْسِ أَحْسَنُ مَنْ مَشَى
تَعَلَّقَهَا قَلْبِي وَهِيَ فِي طَوَافِهَا ... تُرِيدُ اسْتِلَامَ الرُّكْنِ فِي نِسْوَةٍ عِشَا
فَجَلَّتْ نَهَارًا لَاحَ فِي ضَوْءِ وَجْهِهَا ... وَأَيْقَنْتُ أَنَّ اللهَ يَخْلُقُ مَا يَشَا
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ أَيْضًا يَذْكُرُ نِسْوَةً رَآهُنَّ عِنْدَ الرُّكْنِ فِيهِنَّ فَتَاةٌ:
[البحر المنسرح]
أَبْصَرْتُهَا لَيْلَةً وَنِسْوَتُهَا ... يَمْشِينَ بَيْنَ الْمَقَامِ وَالْحِجْرِ
يَجْلِسْنَ عِنْدَ الطَّوَافِ إِنْ جَلَسَتْ ... طَوْرًا وَطَوْرًا يَطَأْنَ فِي الْأُزُرِ
وَقَالَ شَاعِرٌ أَيْضًا يَذْكُرُ بَعْضَ هَؤُلَاءِ النِّسْوَةِ:
[البحر المنسرح]
أَبْصَرْتُهَا لَيْلَةً وَنِسْوَتَهَا ... يَسْعَيْنَ بَيْنَ الْمَقَامِ وَالْحِجْرِ
بِيضًا حِسَانًا نَوَاعِمًا قُطُفًا ... يَمْشِينَ هَوْنًا كَمِشْيَةِ الْبَقَرِ
وَقَالَ شَاعِرٌ أَيْضًا يَذْكُرُ بَعْضَ هَؤُلَاءِ النِّسْوَةِ:
[البحر الكامل]
طَرَقَتْكَ بَيْنَ مُسَبِّحٍ وَمُكَبِّرِ ... بِحَطِيمِ مَكَّةَ حَيْثُ سَالَ الْأَبْطَحُ
فَحَسِبْتُ مَكَّةَ وَالْمَشَاعِرَ كُلَّهَا ... وَرِحَالَنَا بَانَتْ بِمِسْكٍ تَنْفَحُ
⦗٣١٧⦘ وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ مَكَّةَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِيمَا مَضَى إِذَا بَلَغَتِ الْجَارِيَةُ مَا تَبْلُغُ النِّسَاءُ أَلْبَسَهَا أَهْلُهَا أَحْسَنَ مَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ مِنَ الثِّيَابِ، وَجَعَلُوا عَلَيْهَا حُلِيًّا إِنْ كَانَ لَهُمْ، ثُمَّ أَدْخَلُوهَا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ مَكْشُوفَةَ الْوَجْهِ بَارِزَتَهُ، حَتَّى تَطُوفَ بِالْبَيْتِ، وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا وَيُبْدُونَهَا أَبْصَارَهُمْ فَيَقُولُونَ: مَنْ هَذِهِ؟ فَيُقَالُ: فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ، إِنْ كَانَتْ حُرَّةً، وَمُوَلَّدَةُ آلِ فُلَانٍ، إِنْ كَانَتْ مُوَلَّدَةً، قَدْ بَلَغَتْ أَنْ تُخَدَّرَ، وَقَدْ أَرَادَ أَهْلُهَا أَنْ يُخَدِّرُوهَا وَكَانَ النَّاسُ إِذْ ذَاكَ أَهْلَ دِينٍ وَأَمَانَةٍ، لَيْسُوا عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْمَذَاهِبِ الْمَكْرُوهَةِ، فَإِذَا قَضَتْ طَوَافَهَا خَرَجَتْ كَذَلِكَ يَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيْهَا لِكَيْ يُرْغَبَ فِي نِكَاحِهَا إِنْ كَانَتْ حُرَّةً، وَشِرَائِهَا إِنْ كَانَتْ مُوَلَّدَةً مَمْلُوكَةً، فَإِذَا صَارَتْ إِلَى مَنْزِلِهَا خُدِّرَتْ فِي خِدْرِهَا، فَلَمْ يَرَهَا أَحَدٌ حَتَّى تَخْرُجَ إِلَى زَوْجِهَا، وَكَذَلِكَ كَانُوا فِي الْجَوَارِي الْإِمَاءِ يَفْعَلُونَ، يُلْبِسُونَهَا ثِيَابَهَا وَحُلِيَّهَا، وَيَطُوفُونَ بِهَا مُسْفِرَةً حَوْلَ الْبَيْتِ لِيُشْهِرُوا أَمْرَهَا، وَيُرَغِّبُوا النَّاسَ فِي شِرَائِهَا، فَيَأْتِي النَّاسُ فَيَنْظُرُونَ وَيَشْتَرُونَ