الحالين، أصبح الشعار في الإسلام: أنصر أخاك ظالمًا، بأن تمنعه من الظلم، أو مظلومًا بأن تقف بجانبه ضد ظالمه.
وذم العصبية في الإسلام لا يقف عند حد العصبية القائمة على أساس المشاركة في القبيلة أو الجنس، وإنما تتعداها كل عصيبة قائمة على سبب آخر ما دام جوهر العصبية موجودًا، وهو نصرة الغير بالباطل بسب هذه المشاركة، وعلى هذا فانتصار الباطل هو من العصبية المقيتة المذمومة. إنَّ خلوَّ المجتمع الإسلامي من العصبية بأنواعها يقلّل فرص الاعتداء والظلم والبغي، ويساعد على شدِّ الأفراد إلى معاني الحق والعدل، وفي هذ كله خير مؤكد للمجتمع ولأفراده.
ثالثًا: تقوى الله هي ميزان التفاضل بين الناس
١٣٨- وبزوال العصبية تزول نتائجها، ومنها: التفاخر بالأحساب والأنساب والعظام البالية، فليس مجرَّد انتساب الفرد إلى قبيلة معينة مدعاة إلى الفخر، ولا إلى فضله وعلو منزلته؛ إذ لا علاقة بين فضل الإنسان وبين انتسابه إلى قوم معينين، أو إلى قبيلة معينة، وإنما المعقول أن يقدَّر فضل الإنسان بقدر ما تحمله نفسه من فضائل وأخلاق كريمة، وبقدر ما يقدّمه من صالح الأعمال. وهذا كله يحققه تقوى الله -عز وجل، ومن هنا كان أساس التفاضل في الإسلام تقوى الله، وأمَّا الانتساب إلى القبائل فهو للتعارف فقط، كانتسابه إلى بلدة معينة أو حرفة معينة أو بيت معين، أو تسميته باسم معين، فكل هذه الأشكال من الانتساب أو الأسماء يقصد بها التعارف وما يترتب عليه من تعاون أو تكاليف، قال تعالى:{أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} .
وبهذا الميزان الدقيق العادل لمعرفة أقدار الناس وفضلهم أصبح المجال واسعًا للتنافس في الخير وبلوغ المنزلة العالية التي يطمح إليها الإنسان، فلا يمنعه منها مانع، من فقر أو لون أو ذكورة أو أنوثة أو خسَّة نسب، أو كثرة ماله، أو سعة سلطانه، أو كثرة ولده، أو فصاحة لسانه، أو كثرة أتباعه، أو جمال صورته، وقد أشار الرسول الكريم إلى هذه الأمور بقوله الموجز البليغ:"من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه"، وذكر النسب إشارة إلى غيره من الأشياء التي لا علاقة في تقييم الشخص ومعرفة مقدار فضله.