نريد بالاتصال الوثيق تعلُّق الداعي المسلم بربه، وتوكله عليه في جميع أموره؛ لتيقنه بأنَّ الله تعالى هو المنفرد بالخلق والتدبير والضرر والنفع والعطاء، وأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنَّ الله تعالى يكفي من يتوكل عليه ويفوّض الأمور إليه {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} ، لا سيما من يتوكَّل عليه في أمور الدعوة إلى الله، ونصره وإعلاء كلمته وجهاد أعدائه، قال تعالى حكاية عن موسى وهارون:{قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى، قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} ، وهذه المعيِّة النصر والتأييد غير مقصورة على أنبيائه ورسله المتوكلين عليه في تبليغ رسالاته، وإنما هي شاملة لعباده المتقين، لا سيما الدعاة منهم إلى دينه، قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} .
٥٤٢- وحالة الداعي المسلم في توكله على الله وصلته به يجب أن تكون كحالة الطفل مع أمه، لا يعرف غيرها، ولا يتعلق إلّا بها، ولا يفزع إلّا إليها، ولا يعتمد إلّا عليها، وإذا نابه شيء لم يهتف إلّا باسمها، ولكن هذه الحالة لا تعني ترك الأسباب وإنما تعني عدم التعلق بها والركون إليها؛ لأن التعلق يكون بمسبِّب الأسباب الله -جل جلاله- القوي العزيز.
٥٤٣- ويزداد هذا الاتصال بالرب -جل جلاله- إذا استحضر الداعي المسلم ما يعلمه ويؤمن به يقينًا، وهو أنَّ الخلق لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم نفعًا ولا ضرًّا، وأن الأمور كلها بلا استثناء بيد الله القوي العزيز، فإذا استحضر الداعي هذه المعاني