١١٠- والإسلام لا يغفل طبيعة الإنسان وتفاوت الناس في مدى استعدادهم لبلوغ المستوى الرفيع الذي يرسمه لهم، وفي ضوء هذا النظر الواقعيّ جعل الإسلام حدًّا أدنى أو مستوى أدنى من الكمال لا يجوز الهبوط عنه؛ لأن هذا المستوى ضروري لتكوين شخصية المسلم على نحوٍ معقول؛ ولأنه أقل ما يمكن قبوله من المسلم ليكون في عداد المسلمين؛ ولأنه وضع على نحو يستطيع بلوغه أقل الناس قدرة على الارتفاع بها، وهي المسماة بالفرائض، كما يشمل جملة معان يجب هجرها، وهي المسماة بالحرمات. إن هذه الفرائض والمحرمات جعلت بقدر طاقة أقل الناس استعدادًا لفعل الخير، وابتعادًا عن الشر، ومن ثَمَّ يستطيع كل واحد الوفاء بمقتضاه، ولا يعذر في التخلف عنها، ولكن بجانب هذا المستوى الإلزامي الواجب بلوغه على كل مسلم، وضعت الشريعة مستوى آخر أرفع منه وأوسع منه، وحببت إلى الناس بلوغ هذا المستوى العالي، فإلزامهم به إرهاق لهم وحرج شديد، والحرج في شرع الإسلام مرفوع؛ لأنه يخالف نظرة الإسلام الواقعية، قال تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} ، وقال تعالى:{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} ، وهذا المستوى العالي يشمل المندوبات التي ترغب الشريعة في القيام بها، والمكروهات التي ترغب الشريعة في ترك المسلم لها،
وهذان المستويان الأدنى والأعلى موجودان في تشريعات الإسلام، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما يأتي:
أولًا: الصلاة: منها ما هو فرض ومنها ما هو مندوب، فالأول يدخل في معاني المستوى الأدنى، والثاني يدخل في معاني المستوى الأعلى، وفيه جاء قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد مسلم يصلي لله تعالى في كل يوم اثنتي عشرة ركعة تطوعًا غير الفريضة إلّا