المطلب الثالث: بيت المال موارده ومصارفه: الفرع الأول: موارد بيت المال
تمهيد:
٤٢١- من البديهي أنَّ الدولة تحتاج إلى نفقات كثيرة لسد حاجاتها المختلفة، وهذه النفقات تغطيها من مواردها المتعددة، وقد كانت الدولة الإسلامية في عهد
الرسول -صلى الله عليه وسلم- قليلة التكاليف، فلم يكن هناك موظفون لهم رواتب دائمة منظمة، وإنما كان يعطي من يقوم ببعض الأعمال أجرًا على عمله، مثل: جباة الزكاة، فإذا انتهت الجباية انتهى الأجر، وفي القتال كان يستنفر المسلمين ويأتون بأسلحتهم ودوابهم ويقاتلون، فإن غنموا شيئًا قسمه عليهم. وحصيلة الزكاة إذا وردت قسمها الرسول -صلى الله عليه وسلم- على المستحقين، وعلى هذا لم تكن الحاجة قائمة لتنظيم واردات الدولة ومصارفها على النحو الذي حدث فيما بعد، وجاء أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- وسار على النهج الأول، فلم يضبط الواردات ولا المصروفات؛ لعدم ظهور الحاجة إلى ذلك، ولأنَّ أمد خلافته كان قصيرًا، فلمَّا جاء عمر بن الخطاب -رضي الله عنه، واتَّسعت رقعة البلاد الإسلامية بما فتحه الله على المسلمين من بلاد الروم والفرس، وزادت واردات الدولة من الغنائم والفيء والجزية، فكَّر عمر بن الخطاب في طريقة تضبط هذه المصاريف، مثل: رواتب الجند والعمال والولاة ونحو ذلك من وجوه الصَّرف على المصالح العامَّة وحاجات الدولة، وما كان يبقى من أموالٍ بعد الصرف يحفظ في بيت المال، وينفق في حينه.
فبيت المال إذن يشبه الخزانة العامة في الوقت الحاضر؛ حيث كل ما يعود للدولة من حقوق مالية يضاف إليها باعتباره حقًّا لها، وكل ما تحتاجه الدولة من نفقات وصرف تتحمَّله هذه الخزانة العامَّة، ويضاف إليها باعتباره حقًّا عليها.
٤٢٢- وموارد الدولة الإسلامية، أي: موارد بيت المال، هي الزكاة والخراج والجزية والعشور والفيء وخمس الغنائم وغير ذلك مما نذكره فيما يلي تباعًا.
أولًا: الزكاة ١
٤٢٣- الزكاة مأخوذة من النماء والزيادة، وهي في الشريعة: حق يجب في المال، وهي من فروض الإسلام وأركانه، قال تعالى:{وَآتُوا الزَّكَاة} ، وفي الحديث الشريف أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم بعث معاذًا إلى اليمن وقال له: "أعلمهم أن الله فرض عليهم