٢٠١- المفتي من يقول بالإفتاء، والإفتاء إخبار عن حكم الله، فلا بُدَّ أن يكون أهلًا لذلك، وهذه الأهلية تكون بشروط، ومن هذه الشروط أن يكون مسلمًا بالغًا عاقلًا فقيهًا مجتهدًا عدلًا، وليس من الشروط المطلوبة الذكورة ولا الحرية ولا النطق، فتصح فتوى المرأة والعبد والأخرس. وهذا الإجمال في الشروط لا يغني عن شيء من التفصيل في بعضها على الأقل.
الشرط الأول: الإسلام
٢٠٢- وهذا الشرط في الحقيقة مفهوم؛ لأنَّ المفتي يخبر عن حكم الله، ويبلغ شرع الله، ويطبق أحكامه على الوقائع والأحداث، فلا بُدَّ أن يكون مؤمنًا بالله وبرسوله محمد -صلى الله عليه وسلم، وبشرع الله الذي بلَّغه رسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم.
هذا، وإنَّ الإسلام وما به يصير الشخص مسلمًا، وما به يفقد المسلم إسلامه فيصير مرتدًا، كل ذلك مبين في كتب العقائد وليس هو موضوع بحثنا، ويكفينا هنا أن نقول: إنَّ العنوان الظاهر للمسلم أن يتلفَّظ بالشهادتين معتقدًا بهما، فيقول: أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله، وأن يظهر ما تقتضيه هذه الشهادة من أقوال وأفعال، فيؤدي العبادات الظاهرة كالصلاة والصيام، ويؤدي الزكاة إن كان ذا مال وبلغ النصاب، وأن يحج البيت إن استطاع إليه سبيلًا، وعليه أن ينطوي قلبه على الانقياد التامِّ والاستسلام لله رب العالمين، فلا يكون في قلبه معارضة ولا كراهية ولا مزاحمة لما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم، لا في خبر، ولا في أمر، ولا في نهي، وعلم المسلم أيضًا أن لا يأتي ما يناقض حقيقة الإسلام وما تلفظ به من الشهادتين، لا في الاعتقادات، ولا في الأقوال، ولا في الأفعال، وإلّا وقع في العصيان والابتداع، وقد يؤدي به ذلك إلى الارتداد عن الإسلام، فيصير مرتدًّا، والمرتد لا يصلح للإفتاء. أمَّا الابتداع والعصيان إذا لم يصلا إلى درجة الردة فإنهما قادحان في الأهلية للإفتاء، وقد يصلان إلى درجة سلب هذه الأهلية عن صاحبها.
الشرط الثاني: البلوغ والعقل
٢٠٣- لا بُدَّ أن يكون المفتي ذا عقل يعقل به أحكام الشرع ويفهمها ويعرفها، وأقلّ درجات العقل المعتبرة يكون بالبلوغ، ولهذا كان شرط التكليف أن يكون المسلم بالغًا عاقلًا، فلا يكفي البلوغ وحده مع عدم العقل، ولا يكفي العقل وحده بدون بلوغ؛ لأنَّ البلوغ مظنَّة نضج العقل، ولذلك علق به التكليف، والتكليف إنما يقوم على