لزينب، فإذا فترت تعلقت به. فقال:"لا، حلوه، ليصلّ أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقعد".
وفي وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعثمان بن مظعون:"فإنَّ لأهلك عليك حقًّا، وإن لضيفك عليك حقًّا، فصم وافطر، وصلِّ ونم".
١٠٧- وحرمان الإنسان نفسه أو جسده من الطيبات والمتع الحلال ليس من منهاج الإسلام في بلوغ الكمال، وإنما منهاجه في الاعتدال، فإذا وجد الإنسان أو تيسَّر له شيء من الطيبات بطريق الحلال أخذه وتناوله، ولا يقدح ذلك في تعلقه بمثالية الإسلام، وإذا لم يجده لم يأس عليه، وهكذا كان يفعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وفي كتاب الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} ، {وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ} ، فالمطلوب لبلوغ الكمال تقوى الله، وليس تحريم الطيبات وحرمان الجسد أو النفس منها.
١٠٨- ومع هذا، فقد يسوغ أو يندب أو يجب أخذ الإنسان نفسه بالشدة وخشونة العيش، ورضاه بالضيق إذا كان ذلك لغرض مشروع أو مقصد نبيل أو لسبب مقبول، كما لو كان المسلم في مقام القدوة، أو بسبب إيثار الغير على نفسه، أو بسبب امتناعه عمَّا لا يجوز له، فيتعرَّض إلى ما ذكرنا، وعلى هذا الأساس يجب أن نفهم سيرة أسلافنا الصالحين، وما روي عنهم من أخذ نفوسهم بالشدة، وامتناعهم عن كثير من طيبات العيش ونعومته.
ثانيًا: الشمول
١٠٩- والمثالية في الإسلام تتصف بالشمول؛ لأن الإسلام يريد من المسلم أن يبلغ الكمال المقدور له بتناسقٍ، وفي جميع شئونه، فلا يقبل على جانب واحد أو عدة جوانب، ويبلغ فيه المستوى العالي من الكمال، بينما يهمل الجوانب الأخرى حتى ينزل فيها إلى دون المستوى المطلوب، إنَّ مَثَله مَثَل من يقوي يديه ويترك سائر أعضائه رخوة هزيلة ضعيفة، وعلى هذا الأساس فَهِمَ الصحابة الكرام مثالية الإسلام، فلم تأسريهم عبادة، ولم تقيدهم عادة، وإنما تقلَّبوا في جميع العبادات والأحوال، وبلغوا فيها المستوى العالي من الكمال، فلم يحبسوا نفوسهم في مكان، ولا على نوع من العبادات، ولا على نمطٍ معين من الأعمال، وإنما باشروا الجميع، فعند الصلاة كانوا في المسجد يصلون، وفي حلقات العلم يجلسون معلمين أو متعلمين، وعند الجهاد يقاتلون، وعند الشدائد والمصائب يواسون ويساعدون، وهكذا كان شأنهم في جميع الأحوال.