للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في قلبه، فإنه سيزهد حتمًا في الاعتماد على أيّ مخلوق، ويتوجه بكليته إلى خالقه ومولاه وناصره {بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ} ، {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا} .

ومع اعتماد الداعي على الله في جميع أموره فإنَّه يثق بربه ثقة كاملة بأنَّه يحفظه وينصره ويدفع عنه الشرور، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} ، {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ، وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} .

٥٤٤- ولكن لا يجوز للداعي المسلم أن يحدِّد لله وقتًا لإنزال نصره وإعانته على أعدائه، ولا نوعًا معينًا أو كيفية معينة لهذا النصر أو العون، قال تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} ، وقال ابن كثير في تفسير هذه الآية: "المراد بالنصر الانتصار لهم ممن آذاهم، وسواء كان ذلك بحضرتهم أو في غيبتهم أو بعد موتهم، كما فعل بقتلة يحيي وزكريا وشعيبًا: سلّط عليهم من أعدائهم من أهانهم وسفك دماءهم، فسلّط على اليهود الذين أرادوا قتل عيسى -عليه السلام، سلط عليهم الروم فأهانوهم وأذلّوهم وأظهرهم الله تعالى عليهم، وقال السدي: لم يبعث الله -عز وجلّ- رسولًا قط إلى قوم فيقتلونه، أو قومًا من المؤمنين يدعون إلى الحق فيقتلون، فيذهب ذلك القرن حتى يبعث الله -تبارك وتعالى- لهم من ينصرهم، فيطلب بدمائهم ممن فعل ذلك بهم في الدنيا، قال: فكانت الأنبياء والمؤمنون يقتلون في الدنيا وهم منصورون فيها، وهكذا رسوله، أمره بالهجرة ثم رجع إليها فاتحًا منتصرًا١.

٤٥٤- وما دام الداعي المسلم ينصر الله، أي: ينصر دينه بالدعوة إليه، فإنَّ الله تعالى ناصره، قال -عز وجل: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز} ، فعلى الداعي أن يتيقَّن ذلك ولا يشكّ فيه أبدًا، قال -صلى الله عليه وسلم- عند رجوعه من الطائف، وقد ردَّه أهلها أسوأ ردٍّ، وكان معه زيد، قال -عليه الصلاة والسلام لزيد: "إن الله جاعل لما ترى فرجًا ومخرجًا، وأن الله تعالى ناصر دينه ومظهر نبيه" ٢، الداعي لا


١ تفسير ابن كثير ج٤، ص٨٣، وقد ذكر القرطبي في تفسير هذه الآية قريبًا مما ذكره ابن كثير تفسير القرطبي ج١٥، ص٣٢٢.
٢ إمتاع الأسماع ص٢٨.

<<  <   >  >>