عصره عمَّن يصلح للفتوى؛ ليمنع من لا يصلح، ويتوعَّده بالعقوبة إذا عاد"، وقال الشافعية والحنابلة: ينبغي للإمام أن يتصفَّح إحوال المفتين، فمن صلح للفتيا أقرَّه، ومن لا يصلح منعه ونهاه أن يعود، وهدده بالعقوبة إذا عاد، وهذا الكلام ينطبق على المفتين الذين يباشرون الإفتاء بلا تعين من ولي الأمر، ولكن إذا كان لولي الأمر منع هؤلاء لعدم صلاحهم، فله من باب أوْلَى أن يعزل المفتي الذي عينه إذا ظهر أنَّه غير كفء للإفتاء لمجونه أو جهله.
كفاية المفتي من بيت المال:
٢١٧- ويحلّ للمفتي أن يأخذ من بيت المال ما يكفيه؛ لأنه يقوم بالإفتاء، وهو من المصالح العامة كالأذان، ولهذا يجوز لولي الأمر أن يخصص مرتبًا شهريًّا للمفتي من بيت المال بالقدر الذي يكفيه ويغنيه عن الكسب؟
ضمان المفتي:
٢١٨- إذا أفتى المفتي مستفتيه بفتوى معينة فتعلّم بها وأدى علمه إلى إتلاف نفس أو مال، وحكم على المستفتي بالضمان، فهل يرجع على مفتيه بما ضمن أم لا؟ ينظر، فإن كانت فتوى المفتي باطلة بالضمان قطعًا لمخالفتها للنص القاطع أو الإجماع الظاهر، كان للمستفتي أن يرجع بما ضَمِن على المفتي؛ لأنه هو المتسبِّب في ذلك، وإن كانت فتوى المفتي سائغة، ولم يضمن المفتي شيئًا، لا يكون للمستفتي أن يرجع بما ضمن، أمَّا إذا كان المفتي غير أهل للافتاء فإنه يضمن مطلقًا؛ لأنه غرَّ من استفتاه، ومعنى ذلك أنَّ للمستفتي أن يرجع عليه بما ضمن، وقيل: لا يضمن ولا يكون للمستفتي حق الرجوع عليه؛ لأن المستفتي هو المقصِّر؛ إذ سأل من لا يصلح للإفتاء.
واجبات المفتي وآدابه:
٢١٩- على المفتي أن يعلم أنَّ ما يقوله ويفتي به دِينٌ يحاسب عليه أمام الله تعالى، ولهذا يجب عليه أن يطيل النظر والفكر ولا يسرع في الإجابة، وإذا لم يعرف الجواب فليقل: لا أدري، فإن نصف العلم لا أدري، وقد كان الإمام مالك يسأل عن مسائل فيقول عن بعضها أو أكثرها: لا أدري، فقد روى الهيثم بن جميل قال: شهدت مالكًا سئل عن ثمان وأربعين مسألة، فقال في ثنتين وثلاثين منها: لا أدري. وعن عبد الله