وصف به رسولها حتى تقوم من بعده بما قام به -صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:{الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} ، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأصول العظيمة للإسلام، ومن ثَمَّ كانت الحِسْبَة محل عناية الفقهاء والتنويه بشأنها. قال الفقيه المشهور بابن الأخوة:"الحسبة من قواعد الأمور الدينية، وقد كان أئمة الصدر الأول يباشرونها بأنفسهم؛ لعموم صلاحها وجزيل ثوابها، وهي أمر بالمعروف إذا ظهر تركه، ونهي عن المنكر إذا ظهر فعله، وإصلاح بين الناس"، وقال ابن خلدون في مقدمته:"أمَّا الحسبة فهي وظيفة دينية من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي هو فرض على القائم بأمور المسلمين أن يعيِّن لذلك من يراه أهلًا له".
حكمة مشروعيتها:
٢٦٩- وحكمة مشروعيتها ظاهرة؛ لأنَّ تبليغ الدعوة الإسلامية بجميع معانيها يندرج تحت مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما أنَّ من حكمة مشروعيتها توقّي العذاب واستنزال رحمة الله، وبيان ذلك أنَّ المعاصي سبب المصائب، وما ينزل على الناس من عذاب التأديب أو الانتقام أو الاستئصال، وبهذا جرت سُنَّة الله، قال تعالى:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} ، وإذا كان الكفر والفسوق والعصيان سببًا للمصائب والهلاك، فقد يذنب الرجل أو الطائفة ويسكت الآخرون فلا يأمرون ولا ينهون، فيكون ذلك من ذنوبهم، فتصيبهم المصائب، وفي الحديث الشريف:"إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك الله أن يعمَّهم بعذاب منه"، وكما أنَّ المعصية سبب المصيبة والعذاب، فإن الطاعة سبب النعمة والرخاء ورضوان الله تعالى، وبذلك جرت سُنَّة الله تعالى، قال تعالى:{لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} ، وقال تعالى:{فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ} ، وقال تعالى:{وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} .
أركان الحسبة:
٢٧٠- الحسبة تستلزم وجود من يقوم بها، وهذا هو المحتَسِب، ومن تجري عليه الحسبة، وهذا هو المحتَسَب عليه، وعمل أو ترك تجري فيه الحسبة، وهذا هو المحتَسَب فيه، وما يقوم به المحتسب وهذا هو الاحتساب، فأركان الحسبة أربعة: المحتَسِبُ، والمحتَسَب عليه، والمحتَسَب فيه، والاحتساب، ولا بُدّ من الكلام عن هذه الأربعة في المطالب التالية: