للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوجه الأول: ليس للمحتسب سماع الدعاوى التي تخرج عن نطاق المنكرات الظاهرة، أي: التي تخرج عن نطاق الدعاوى الثلاث التي أشرنا إليها في أوجه الاتفاق.

الوجه الثاني: له النظر في الحقوق المعترف بها، أمَّا ما يدخله التجاحد والتناكر لا ينظر فيه؛ لأنَّ الحق لا يثبت عند ذاك إلّا ببينة من المدعي، أو تحليف المنكر اليمين، وهذا للقاضي لا للمحتسب.

ثانيًا: وتزيد ولاية المحتسب على ولاية القاضي من وجهين:

١- للمحتسب أن يأمر بما هو معروف وينهى عمَّا هو منكر، وإن لم يرتفع إليه في ذلك خصم، ولم يتقدم إليه أحد بدعوى، وليس للقاضي ذلك إلّا برفع دعوى ومطالبة خصم.

٢- للمحتسب من سلاطة السلطة فيما يتعلق بالمنكرات الظاهرة ما ليس للقاضي؛ لأن الحسبة -كما يقول الفقهاء: تقوم على الرهبة، فلا تجافيها الغلظة واتخاذ الأعوان وسللاطة السلطة، أما القضاء فموضوع لإنصاف الناس واستماع البينات، حتى يتبيِّن المحِقُّ من المبطِل، فكان الملائم له الأناة والوقار والبعد عن الغلظة والخشونة والرهبة.

٢٢٧- ويمكن أن نضيف إلى ما قاله الفقهاء فرقًا ثالثًا تزيد به ولاية المحتسب على ولاية القاضي، وهي ولاية المحتسب على الأمر والنهي، فما لا يدخل في صلاحية القاضي ولا يجري فيه الحكم، فللمحتسب أن يأمر العامّة بالصلاة في أوقاتها، ويأمر بالجمعة والجماعات، وينهى عن منكرات المساجد، وعن تأخير الصلاة عن أوقاتها، ونحو ذلك مما لا يجري فيه حكم القضاء، ولا ينظر فيه القاضي.

شروط المحتسب:

٢٧٨- اشترط الفقهاء شروطًا معينة في المحتسب ليكون أهلًا للاحتساب، وهذه الشروط:

أولًا: أن يكون مكلفًا؛ لأن غير المكلَّف لا يلزمه أمر ولا يجب عليه تكليف.

والمكلَّف في اصطلاح الفقهاء هو البالغ العاقل، وهذا في الحقيقة شرط وجوب الاحتساب على المسلم، أمَّا إمكان الحسبة وجوازها فلا يستدعي إلّا العقل، حتى إنَّ الصبي المميِّز وإن لم يكن مكلفًا فله إنكار المنكر، وليس لأحد منعه من ذلك؛ لأن احتسابه

<<  <   >  >>