للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مصادر، وسواء كانت المعصية من أعمال القلوب أو أعمال الجوارح، ولكن كلمة المنكر في باب الحسبة تطلق على معنى أوسع مما ذكرناه، فتطلق على كل فعلٍ فيه مفسدة، أو نهت الشريعة عنه، وإن كان لا يعتبر معصية في حقِّ فاعله، إما لصغر سنِّه أو لعدم عقله، ولهذا إذا زنا المجنون أو همَّ بفعل الزنى، وإذا شرب الصبي الخمر، كان ما فعلاه منكرًا يستحق الإنكار، وإن لم يعتبر معصية في حقهمها؛ لفوات شرط التكليف وهو العقل والبلوغ.

من يملك إعطاء وصف المنكر:

٣٠٢- والجهة التي تملك إعطاء المنكر لأيّ فعلٍ أو تركٍ هي الشريعة الإسلامية؛ لأن إعطاء هذا الوصف حكم شرعي، والحاكم هو الله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} ، وما على الفقهاء إلّا التعرُّف على حكم الله، فعملهم هو كشف عن الحكم الشرعي وليس إنشاء للحكم الشرعي، ولهذا إذا تبيِّن خطؤهم لم نتابعهم عليه؛ لأنَّ الحجة فيما بيِّنَه الشرع وقد ظهر لنا؛ ولأنَّ مهمة الفقهاء الكشف وليس الإنشاء كما قلنا.

٣٠٣- وقد يعترض البعض علينا بأنَّ الفقهاء قالوا: إن ما رآه المسلمون حسنًا أو قيبحًا دخل في موضوع الحسبة، أمرًا بالأول ونهيًا عن الثاني، فكيف نوفِّق بين هذا القول وبين ما قلناه؟ والجواب: إنَّ الشريعة الإسلامية دلَّت على أنَّ الإجماع حجة معتبرة، فإذا أخذنا بما رآه المسلمون حسنًا فأمرنا به وبما رأوه قبيحًا فنهينا عنه، فإنما نأخذ بدليل الإجماع، وهو دليل شرعي أرشدتنا إليه الشريعة.

وكذلك أخذنا بالعرف الصحيح هو اتباع بما أرشدتنا إليه الشريعة من مراعاة العرف الصحيح.

شروط المنكر:

٣٠٤- وإذا كان المنكر بوجهيه هو موضوع الحسبة، فلا بُدَّ من توافر شروط معينة فيه ليمكن الاحتساب فيه، فما هي هذه الشرط؟ قال علماؤنا -رحمهم الله تعالى: يشترط فيه أن يكون ظاهرًا وقائمًا في الحال، ومتفقًا على حكمه، ولا بُدَّ من الكلام بإيجاز عن كل شرط:

<<  <   >  >>