للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كانت الخلافة لمن تتوافر فيه بقية شروطها.

عزل الخليفة:

٣٤٥- الأمة هي التي تختار الخليفة، فلها حق عزله؛ لأن من يملك حق التعيين يملك حق العزل، ولكن استعمال هذا الحق يقتضي وجود المبرر الشرعي، وإلّا كان تعسفًا في استعمال الحق، واتباعًا للهوى، وهذان لا يجوزان في شرع الإسلام. والمبرِّر الشرعي لعزل الخليفة خروجه عن مقتضى وكالته عن الأمة خروجًا يبرر عزله، أو عجزه عن القيام بمهام الخلافة، وهذا ما صرَّح به الفقهاء، فالإمام ابن حزم يقول -وهو يتكلم عن الإمام- ما نصه: " ... فهو الإمام الواجب طاعته ما قادنا بكتاب الله تعالى وسُنَّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فإن زاغ عن شيء منهما منع من ذلك، وأقيم عليه الحد والحق، فإن لم يؤمن أذاه إلَّا بخلعه خُلِعَ وولِّيَ غيره"١، ومن أقوال الفقهاء أيضًا: "وللأمة خلع الإمام وعزله بسبٍ يوجبه، مثل أن يوجد منه ما يوجب اختلال أحوال المسلمين وانتكاس أمور الدين، كما كان لهم نصبه وإقامته عنه؛ لانتظامها وإعلائها"٢، ومن أمثلة العجز عن مهام الخلافة الموجب لزوالها عنه أو عزله واختيار غيره لمنصب الخلافة: جنونه المطبق، وعماه، وأسره بيد العدو على وجه لا يرجى خلاصه؛ لعجزه عن النظر في أمور المسلمين، فيختارون غيره ليقوم بمصالح المسلمين٣.

تنفيذ العزل:

٣٤٦- وإذا كانت الأمَّة تملك حق عزل الخليفة عند وجود السبب الشرعي الداعي لذلك، إلّا أنه يجب أن يعرف جيدًا بأنَّ مجرد وجود السبب الشرعي للعزل لا يعني بالضرورة لزوم تنفيذ العزل؛ لأنه عند التنفيذ يجب أن ينظر في إمكانه ونتائجه، فإذا كان تنفيذه ممكنًا ورؤي أنه لا تترتب على العزل نتائج مضرة بالأمَّة تربو على عدم عزله، وجب العزل في هذه الحالة، وإذا رؤي أنَّ التنفيد غير ممكن، أو ممكن بذاته، ولكن يترتَّب عليه نتائج مضرة بالأمَّة تزيد على أضرار بقائه وعدم عزله، وجب أن ترجَّح عدم التنفيذ؛ لأن من قواعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن لا يكون العمل إزالة المنكر مستلزمًا أو مقتضيًا وقوع منكر أعظم منه٤.

وعزل الخليفة من النهي عن المنكر، فيخضع لهذه القاعدة.


١ الملل والنحل لابن حزم ج٤ ص١٠٢.
٢ المواقف للأيجي وشرحه، نقلًا عن كتاب النظريات السياسية للأستاذ ضياء الدين الريس ص٢٧٠.
٣ أبو يعلى ص٦٠٥.
٤ فتاوى ابن تيمية ج٢٨ ص١٢٩.

<<  <   >  >>