للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في أي شيء تجري الشورى:

٣٥٠- والمشاورة مع الأمَّة تجري في شئون الدولة المختلفة، وفي الأمور الشرعية الاجتهادية التي لا نصَّ فيها، أي: إنَّ رئيس الدولة يستشير في أمور الدين والدنيا كما يقول الفقهاء، فقد جاء في تفسير الجصاص: "الاستشارة تكون في أمور الدنيا وفي أمور الدِّين التي لا وحي فيها"١، والمشاورة في أمور الدنيا، أي: شئون الدولة المهمة منها، مثل تسيير الجيوش وإعلان الحرب وعقد المعاهدات وإسناد المناصب المهمة في الدولة إلى مستحقيها، ونحو ذلك، فلا تكون المشاورة في كل شيء من شئون الدولة حتى في صغائرها وجزئياتها، فإنَّ هذا غير ممكن ولا مطلوب، ولا حاجة إليه ولا منفعة فيه، ولا دليل عليه.

أهل الشورى:

٣٥١- ولكن كيف تتمّ المشاورة؟ وهل يجب على رئيس الدولة أن يشاور الأمَّة كلها، أو طائفة منها، أو أفرادًا منها؟ المستفاد من سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وهديه في الشورى، أنَّه كان يشاور جمهور المسلمين في الأمور التي تهمهم مباشرة، كما حصل في مسألة الخروج إلى قتال المشركين في معركة أحد، فقد استشار جمهور الموجودين في المدينة، وكان يقول: "أشيروا عليّ" ١، وكذلك في مسالة غنائم هوازن، فقد حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على أن يعرف آراء جميع المسلمين المشتركين في حرب هوازن في مسألة الغنائم التي صارت إليهم، فقد جاء في أخبارهم أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد أن ذكر لهم ما يراه بصدد الغنائم، قال الحاضرون: "يا رسول الله، رضينا وسلَّمنا، قال: "فمروا عرفاءكم أن يرفعوا ذلك إلينا حتى نعلم فكان زيد بن ثابت على الأنصار يسألهم: هل سلموا؟ فأخبروه أنهم سلموا ورضوا ولم يتخلّف عنهم رجل واحد ... إلخ"٢.

فهذه الواقعة تدل على أنَّ أهل الشورى كانوا جميع المسلمين الذين يتعلَّق بهم موضوع المشاورة، وأحيانًا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستشير بعض أصحابه لا كلهم، كما حصل في مسألة


١ أحكام القرآن للجصَّاص ج٢ ص٤٠.
٢ إمتاع الأسماع للمقريزي ص١١٦.
٣ إمتاع الأسماع ص٤٢٩.

<<  <   >  >>