واحد منهما الخروج على هذا السلطان أبدًا، فلا يجوز لأحدهما ولا لكليهما، وإن كان برضى منهما تغيير شرع الله أو اتباع غيره؛ لأن الاتفاق على الباطل لا يقلبه حقًّا، ولا يعطي المتفقين عليه تبريرًا شرعيًّا لعملهم الباطل ... ولكن يجوز للخليفة وضع الترتيبات اللازمة لتنفيذ شرع الله ومنه نظامه في الحكم، أو وضع الأنظمة اللازمة لإدارة شئون الدولة في نطاق القواعد العامَّة في الشرع الإسلامي، ما دام لا يوجد نصّ أو نصوص تحكم هذه الشئون، وهذه الدائرة التي يباح فيها للخليفة وضع هذه الأنظمة لتسهيل تنفيذ شرع الله وإدارة شئون الدولة هي التي تدخل فيما يسميه الفقهاء بالأمور الاجتهادية التي يجوز فيها البحث والنظر، وتشريع الأحكام الجزئية في نطاق الاجتهاد وقواعده وضوابطه، ويلزم تنفيذ هذه الأحكام الاجتهادية السائغة، ولا يجوز للأمَّة ولا لأهل الحل والعقد عصيان هذه الأحكام ولا التمرُّد عليها ما دام الخليفة قد قرَّر تنفيذها، ولا يقبل منهم تبرير عصيانهم بمخالفة هذه الأحكام لآرائهم الاجتهادية؛ لأنَّ الاجتهاد لا ينقضّ بمثله كما يقول الفقهاء، إلّا أنه من المرغوب فيه جدًّا للخليفة بل قد يكون من الواجب عليه أن يشاور أهل الشورى فيما يريد تشريعه من الأمور الاجتهادية، كما كان يفعل الإمام عمر بن الخطاب، ومن أمثلة ما فعله هذا الإمام الراشد تشاوره مع أهل الشورى في مسألة تقسيم أراضي السواد في العراق، أيقسمها على الفاتحين أم يبقيها بأيدي أصحابها ويضرب على أراضيهم الخراج؟ ولا شكَّ أن الخليفة عندما يشاور أهل الشورى في هذه المسائل قد يخرجون برأي واحد وقد يختلفون، وعند الاختلاف يترك الأمر للخليفة ليختار الرأي الذي يراه، والمأمول دائمًا أنَّ الرأي الصواب سيظهر نتيجة هذه المناقشة الهادئة الصريحة الهادفة إلى الصواب، وإذا ما تبين الصواب فالراجح جدًّا أن الخليفة يقبله؛ لأنه لا مصلحة له في مخالفة الصواب وهو المنصوب لتنفيذ أحكام الشرع وتحقيق مصالح الأمة، وإذا قدِّر أنه لم يقتنع بوجهات نظر الآخرين الصائبة، وأخذ بوجهة نظر خاطئة فهذا نادر لا غالب؛ لأن الغالب ما قلناه، والعبرة للغالب الشائع لا للنادر.
الجدية والمساورة في تنفيذ شرع الله:
٣٦٣- وإذا كان الخليفة والأمَّة خاضعين لسلطان الإسلام المتمثل في شرعه