أهل الشورى، تختارهم وفقًا للموازين الشرعية، بعيدةً عن الأهواء، وهؤلاء المنتخبون في مجلس الشورى يباشرون حقهم في إبداء الرأي مستحضرين في قلوبهم مخافة الله ومراقبته، فلا يقولون إلّا ما يعتقدونه الحق والصواب، ولا يألون جهدًا في إرادة الخير للأمة، والنصح للخليفة، ولا يبغون من وراء ذلك إلّا مرضاة الله. وأفراد الأمة عندما ينتقدون أو يبدون آراءهم في تصرفات الخليفة يفعلون ذلك وهم يشعرون بلزوم خضوعهم إلى شرع الله، الذي يأخرهم بالعدل في القول والصدق فيه وإرادة النصح الخالص في النقد أو الاعتراض. والخليفة في شئون الدولة ومباشرته سلطان الحكم إنما يستهدي بشرع الله، فلا يعطي ولا يمنع ولا يقدِّم ولا يحجم إلّا ببراهنٍ من شرع الله، وينفذ القانون الإسلامي بعدل ومساواة وجِدِّية، لا تمنعه من إقامة الشرع صداقة ولا قرابة، ولا أيّ معنى من المعاني التي لا يعترف بها الشرع في مجال التنفيذ؛ لأن تنفيذ القانون الإسلامي من لوازم خضوعه له كما قلنا، ولا يعطّل تنفيذه بحجة الرحمة المتوهَّمة، فالرحمة الحقة في تنفيذ القانون الإسلام لا في تعطيله، وقد نبهنا الله تعالى إلى هذا الجانب الضعيف في النفس الإنسانية الذي يتسلل منه الشيطان ليمنع ولي الأمر في إقامة حدود الله، قال تعالى:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} .
وإذا كانت الدولة الإسلامية دولة قانون، وقانونها هو شرع الله -الإسلام، فإنَّ أي خلاف ينشب يكون مرجعه إلى هذا الشرع لا إلى شيء غيره، قال تعالى:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} ، والمحق من كان الحق بجانبه ببرهانٍِ من الشرع، ومن ثَمَّ تكون الدولة بجانبه وإن كان ضعيفًا، والمبطل من لم يكن الحق بجانبه ببرهان من الشرع، ومن ثَمَّ تكون الدولة ضده وإن كان قويًا.
٣٦٥- وإذا كانت الدولة الإسلامية دولة قانونية خاضعة لسلطان الإسلام، فإن معنى ذلك أنَّ الحكم الحقيقي والسلطان الحقيقي لمشرِّع هذا الإسلام، وهو الله جلَّ جلاله، وصدق الله العظيم إذ يقول:{إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} .