للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

-صلى الله عليه وسلم، وسار عليها صحابته الكرام ونقلوها إلى الناس من بعده، وعلى هذا لا يجوز أيَّ تبديلٍ أو تحريف في هذه الحقائق والمعاني؛ لأنَّ التحريف والتبديل يدخلان في نطاق الابتداع المذموم في دين الله، ولا يجوز التردد أبدًا في منع التبديل والتحريف بحجة حق الفرد في إبداء الرأي وحرية الفكر والاجتهاد؛ لأنَّ الفرد إن كان مسلمًا فليس من حقِّه أن يبدِّل دين الله، وإذا اختار لنفسه الضلالة ولعقيدته الفساد فليس من حقه أبدًا أن يخرج على نظام دار الإسلام ويشوِّه حقائق الإسلام، وإلّا كان ناقضًا لعقد الذمة، ومع هذا فقد يقع المسلم في زيغ أو شبهة أو خطأ نتيجة فهمٍ سقيمٍ أو تضليلٍ خبيث، فيجب على ولي الأمر -الخليفة- أو نائبه أن يعمل على كشف الشبهة وإظهار الصواب بالدليل والبرهان، حتى يظهر الحق وتقوم الحجة، فإن أصرَّ المبطل على باطله وسعى إلى نشره في الناس مُنِعَ من ذلك وأقيم عليه ما يوجبه الشرع، وقد أشار الفقهاء إلى ما ذكرناه، فقد قالوا: إنَّ على الإمام "حفظ الدين على الأصول التي أجمع عليها سلف الأمة، فإن زاغ ذو شبهة عنه بيِّنَ له الحجة وأوضح له الصواب، وأخذه بما يلزمه من الحقوق والحدود؛ ليكون الدِّين محروسًا من خللٍ، والأمة ممنوعة من الزلل"١.

٣٧٠- ومن لوازم حفظ الدين "تحصين الثغور بالعدة المانعة والقوة الدافعة حتى لا تظهر الأعداء بغرة ينتهكون فيها محرمًا، ويسفكون فيها لمسلمٍ أو معاهدًا دمًا"١.

والحقيقة أنَّ دفع الأعداء عن دار الإسلام ضروري لحفظ الدين وبقائه؛ لأنَّ استيلاء الكفرة على دار الإسلام ضياع للإسلام وطمس لحقائقه، وفتنة عظيمة للمسلمين، وزعزعة لعقائدهم، بسبب حكم الكفرة له، وما يبذلونه لصرف المسلمين عن دينهم الحق بالوعد والوعيد، والتلبيس والخداع والتضليل، بل نستطيع القول أنَّ من لوازم وتمام حفظ الدِّين إعلاءه واظهاره على جميع أنظمة الكفر، حتى لا يبقى للباطل حكم قائم ولا راية مرفوعة، وهذا ما أشار إليه الماوردي؛ إذ يقول وهو يعدِّد واجبات


١ أبو يعلى الحنبلي ص١١.
٢ الماوردي ص١٤.

<<  <   >  >>