للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصنائع المحتاج إليها١. ومن الواضح أن الصنائع المحتاج إليها تختلف باختلاف العصور والأزمان، فما كان الناس يحتاجون في الأمس قد يحتاجون إلى غيره اليوم، فعلى الحكم الإسلامي حكم ملاحظة ذلك وتهيئة وسائله، ويترتب على اعتبار تحصيل الصناعات والحِرَف المحتاج إليها من فروض الكفايات لحوق الإثم بالأمَّة وبالحكام إذا قصروا في تحصيلها، وثبوت حق الحكام في إجبار أصحاب الصناعات على القيام بها إذا امتنعوا عنها، وهذا ما صرَّح به الفقهاء، فقد قال الفقيه المشهور ابن قيم الجوزية في كتابه "الطريق الحكمية": إن لوليِّ الأمر إجبار أصحاب الحِرَف والصناعات على العمل بأجر المثل إذا امتنعوا عنها، وكان في الناس حاجة إلى صناعاتهم١.

د- استثمار خيرات البلاد:

٣٧٨- ومن مظاهر سياسية الدنيا بالدين، استثمار خيرات البلاد بما يحقق للرعية الرفه الاقتصادي والعيش الكريم، وقد أشار الفقهاء إلى هذا الواجب، فقد قال الفقيه المشهور أبو يوسف في كتابه القيم "الخراج"، الذي وجه إلى الخليفة هارون الرشيد: إن على الخليفة أن يأمر بحفر الأنهار وإجراء الماء فيها، وتحميل بيت المال وحده نفقات ذلك، وهذا نص كلامه: "فإذا اجتمعوا -أي: أهل الخبرة- على أنَّ في ذلك -أي: في حفر الأنهار- صلاحًا وزيادة في الخراج، أمرت بحفر تلك الأنهار، وجعلت النفقة من بيت المال، ولا تحمل النفقة على أهل البلد، ولك ما فيه مصلحة لأهل الخراج في أرضهم وأنهارهم، وطلبوا إصلاح ذلك لهم، أجيبوا إليه إذا لم يكن فيه ضرر على غيرهم"٢ وما ذكره أبو يوسف -رحمه الله- من ضرورة حفر الأنهار لأرض الخراج٣ هو من قبيل التمثيل لا الحصر، يدل على ذلك عبارته الأخيرة: "وكل ما فيه مصلحة لأهل الخراج في أرضهم وأنهارهم، وطلبوا إصلاح ذلك لهم، أجيبوا إليه" كما يمكن القياس على ما ذكره أبو يوسف جميع الأعمال اللازمة لاستغلال


١ ابن عابدين ج٣ ص٣٢.
٢ الطرق الحكمية لابن القيم ص٢٢٢.
٣ الخراج لأبي يوسف ص١١٠.
٤ أرض الخراج: هي الأراضي التي فتحها المسلمون، مثل أرض العراق، وتركوها بيد أهلها على أن يدفعوا عنها ضريبة معينة تسمَّى "الخراج".

<<  <   >  >>