للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ملك واختصاص، وفي الحديث الشريف: "لا يحل مال امرئ مسلم إلّا بطيبٍ من نفسه"، فهذا الحديث الشريف يضيف المال للإنسان على وجه الملك له، ومع هذا فإنَّ الملك الحقيقي يبقى لله رب العالمين؛ لأنه يستحيل أن يشاركه أحد في ملك شيء. ومعنى ذلك أنَّ إضافة الملك للإنسان هي من قبيل المجاز لا الحقيقة، وأن الإنسان فيما يملكه كالوكيل فيه عن مالكه الحقيقي، ويترتب على ذلك أن على الإنسان أن يخضع إلى جميع القيود والتنظيمات التي شرعها المالك الحقيقي وهو الله تعالى، وأنه لا يجوز للإنسان أبدًا أن يخرج عن هذه القيود، فإن خرج عنها كان عاصيًا لأمر الله، واستحق العقاب المقرَّر في الشرع، وقد ينزع منه الملك نهائيًّا أو مؤقتًا، كليًا أو جزئيًّا، وقد أدرك فقهاؤنا -رحمهم الله تعالى- هذه المعاني وأشاروا إليها، فقد قال الإمام القرطبي في تفسيره، وهو يفسِّر قوله تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} قال -رحمه الله: وفي هذا دليل على أن أصل الملك لله سبحانه، وأنَّ العبد ليس له فيه إلّا التصرف الذي يرضي الله. ثم قال -رحمه الله تعالى: وهذا دليل على أن الأموال ليست أموالكم في الحقيقة، وما أنتم فيها إلّا بمنزلة النوَّاب والوكلاء، فاغتنموا الفرصة فيها قبل أن تزال عنكم إلى من بعدكم١. إنَّ فقه هذه الحقيقة تجعل المسلم مندفعًا إلى تنفيذ شرع الله في المال الذي آل إليه، فلا يبخل به حيث يجب عليه بذله؛ لأنه وكيل عليه وليس بمالك حقيقي له، والشأن في الوكيل تنفيذ ما يريده الموكّل فيما وكله فيه.

٣٨٨- خامسًا: استعمال المال في مرضاة الله: وكُلّ ما يؤتاه المسلم من مالٍ يجب أن يستعمله في مرضاة الله؛ لتحقيق الغاية التي خُلِق من أجلها وهي عبادة الله تعالى؛ ليظفر بالحياة الطيبة في الأخرى، قال تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} ، ولكن هذا لا يعني حرمان نفسه من طيبات الدنيا، ولا إرهاق جسده بحرمانه مما يحتاج إليه، قال ربنا: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} .

٣٨٩- سادسًا: الدنيا وسيلة لا غاية: والدنيا بكل ما فيها من متاع وأموال ليست


١ تفسير القرطبي ج٧ ص٢٣٨.

<<  <   >  >>