للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وليست الذكورة شرطًا لوقوع الردة، وكذا البلوغ عند الحنيفة خلافًا لغيرهم الذين يرون البلوغ شرطًا لها١.

وعقوبة المرتدّ القتل لحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "من بدَّل دينه فاقتلوه"، وهذا الحكم يشمل المرتد والمرتدة عند الجمهور، وقال الحنفية: المرتدة لا تقتل وإنَّما تُحْبَس حتى تتوب. أما إمهال المرتد قبل قتله فقد قال الجمهور بوجوب إمهاله، ويعرض الإسلام عليه لعلَّه يرجع عن ردَّته، فإن أبى قُتِل، وقال الحنفية: الإمهال ليس واجبًا بل مستحبًّا٢.

٤٨٦- سابعًا: عقوبة البغي

جريمة البغي هي خروج جماعة ذات قوة وشوكة على الإمام بتأويل سائغ يريدون خلعه بالقوة والعنف، ويسميهم الفقهاء: البغاة، والأصل في هذه الجريمة وعقوبتها قول الله -جلَّ جلاله: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} ٣.

وعقوبة البغاة قتالهم إذا أظهروا العصيان للإمام، وامتنعوا عن أداء ما عليهم من حقوق، وجاهروا بذلك، وتهيئوا للقتال، سواء نصبوا عليهم إمامًا ولم ينصبوا، ولا يجوز قتالهم حتى يبعث إليهم الإمام من يسألهم ويكشف لهم الصواب، ويدفع ما يحتجونه به، وينذرهم ويخوفهم نتيجة بغيهم، وهذا هو ما فعله سيدنا علي -رضي الله عنه- مع الخوارج، فقد أرسل إليهم عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- يدعوعهم إلى الطاعة والرجوع إلى الجماعة، فإذا أبوا قاتلهم. هذا ويجوز قتالهم وإن لم يبدءوا بالقتال فعلًا، إذا ترجَّح للإمام أنهم يماطلون ويسوّفون ويريدون كسب الوقت وتجميع الأنصار استعدادًا للقتال، وقد يكون في هذه الحالة من الحزم معاجلتهم قبل أن يستفحل شرّهم وتقوى شوكتهم فيصعب القضاء عليهم، فإذا رجع البغاة إلى الطاعة ولزوم


١ بدائع الصنائع للكاساني ج٧ ص١٣٤، ورد المحتاج ج٣ ص٣٩٢- ٣٩٤، الفتاوى الهندية ج٢ ص٢٥٣، المغني ج٨ ص١٢٣، شرح الخرشي في فقه المالكية ج٨ ص٦٢، شرح الأزهار في فقه الزيدية ج٤ ص٥٧٦.
٢ الفتاوى الهندية ج٢ ص٢٥٧، المغني ج٨ ص١٢٣-١٢٥.
٣ سورة الحجرات، الآية ٩.

<<  <   >  >>