المكروه المؤلم، ثم لا تلبث هذه الخشية وحرقة الخوف أن تفيض من القلب على البدن، فلا يُرَى المؤمن إلّا وجلًا كالمصاب الحزين، لا يمزح ولا يهزل ولا يضحك إلّا تبسمًا، فإنَّ الحزين الخائف المشدوه لا يجد فرصة للهزل، وأن وجدها لا يستطيع ولا يقدر عليه، وللخوف أثره القطعي، فإنَّ من خاف من شيء هرب منه وابتعد عنه وأخذ الوقاية منه، ولهذا يفِرُّ من الأسد الهائج والنار المحرقة، والذنوب والمعاصي عقارب وحيات ومؤذيات ومحرقات لا بُدَّ أن يفِرَّ منها كل خائف من الله، ولا بد أن يغلبها بالطاعات.
إنَّ الداعي المسلم إذا ما استشعر خوف الله انكفَّ وانزجر عن المخالفات، واندفع إلى ما يقي نفسه من المؤذيات والمؤلمات في الآخرة، وعلى رأس الوقاية تقوى الله، وفي مقدمة تقوى الله الجهاد في سبيل الله، ومنه الدعوة إليه، وازداد بخشيته من ربه هدى ورحمة، قال تعالى:{هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} فالهدى والرحمة للخائف لا للآمن.
ثالثًا: الرجاء
٥٤٠- ومن ثمرات الإيمان العميق الرجاء وعدم القنوط من رحمة الله، ذلك أنَّ الله تعالى وَعَد عبادة المؤمنين بما وعدهم به في كتابه المجيد، ومنعهم من القنوط، والشان في صاحب الإيمان العميق أن يؤمن بهذا الوعد الصادق من الربِّ القادر الرحيم،
فيحمله هذا الرجاء على تحقيق أسبابه، وأسبابه هي طاعة الرب ومنها الدعوة إليه؛ لأنَّ حقيقة الرجاء ارتياح القلب لانتظار ما هو محبوب للنفس عند حصول أكثر أسبابه، فإن كان انتظاره مع فقد أسبابه كان حُمْقًا وغرورًا، فرجاء رحمة الله وتأييده ورضوانه يكون بتحصيل أسباب ذلك التي أخبرنا الرب بها، ووعد عليها الرحمة والتأييد والنصر والرضوان، فيندفع المسلم ذو الإيمان العميق إلى تحصيل هذه الأسباب جهد الإمكان بلا تسويف ولا تأخير، راجبًا من الله تعالى أن يوفقه إلى تصحيح هذه الأسباب، والاستمرار على تحصيلها وقبولها منه، إنَّ حالته حالة الذي نثر البذر في الأرض الخصبة الجيدة، وأوصل اليها الماء والسماد وظلَّ يتعهدها إلى وقت