٦١٠- ثانيًا: الإغراء بالمال وحطام الدنيا، فإنَّ الملأ يملكون ذلك ويلوّحون به إلى الجمهور إن تابعوهم على باطلهم ورضوا بقيادتهم لهم، وقد يشير إلى ذلك قوله تعالى عن قوم نوح، قال ربنا -عز شأنه:{قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا} ، فإنهم اتبعوا ساداتهم وكبراءهم أصحاب الرئاسة والأموال على أمل الحصول على شيءٍ من أموالهم، وفي قوله تعالى حكاية عن فرعون:{وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ} إشارة -على ما أفهمه- إلى إغراء فرعون للجمهور بما يملكه من مالٍ وأسباب الحياة المادية، وأنه يعطيها من يوافقه على باطله، أو يهيئ له فرصة الاستفادة منها، وفي السيرة النبوية أنَّ أشراف قريش عرضوا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المال الكثير يعطونه له إذا ترك دعوته، مما يدل على أنَّ "الملأ" يغرون الناس بالمال إعطاءً أو منعًا لصدِّهم عن الدعوة إلى الله -سبحانه وتعالى.
٦١١- ثالثًا: الشبهات، الملأ لا يكتفي بالقوة والبطش والتخويف لصدِّ الجمهور عن دعوة الحق، وإنما يسلك معهم سبيل الشبهات، وهذه الشبهات أنواع كثيرة، منها: رمي الداعي إلى الله بالجنون والضلال والسفاهة، وقد ذكرنا بعض الآيات الكريمة عن قوم نوح وهود ومنها:{قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} ، وعن هود:{قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} ، ومن شبهاتهم قولهم: إن الرسول بشر، وما ينبغي في زعمهم أن يكون الرسول من البشر {فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا} ، ومن شبهاتهم أنَّ الملأ في مقاومتهم دعوة الحق يريدون حماية عقيدة الناس ومصالحهم ودفع الفساد عنهم، قال تعالى عن مثل هذه الشبهة القديمة في الملأ، المتجدَّدة في كل زمان:{وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} ١، ومثل هذا كان يقول الملأ من قريش، من أنَّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- يريد إفساد عقيدتهم، وتسفيه آلهتهم، ولهذا فهم يقاومونه.
ومن شبهاتهم: أنَّ لهم الأموال الكثيرة والجاه والسلطان، وأنَّ هذا دليل على أحقيتهم وصلاحهم، ولهذا فهم خيرٌ من الداعي ولو كان رسولًا، قال تعالى: {وَنَادَى فِرْعَوْنُ