للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ} ١، والذي قيل للرسل الكرام هو الباطل الذي كان في حق الناس شبهات، وقال تعالى: {مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ، أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} ٢، فالأقوام قبل قريش اتهموا الرسل الكرام بالسحر والجنون، وكذلك فعلت قريش؛ لتنفير الناس من الداعي إلى الله محمد -صلى الله عليه وسلم، ومن دعوته.

فإذا فقه الداعي هذه الحقيقة ووعاها جيدًا زال عنه العجب والحنق والغضب إذا اتُّهِمَ بالتهم الباطلة، أو أثيرت الشكوك والريب حول دعوته؛ لأنه ليس أحسن حالًا من رسل الله، ولا أفصح بيانًا منهم، ولا أكثر إخلاصًا منهم، ولا أكثر تأييدًا من الله تعالى منهم، ومع هذا كله أثار أهل الباطل ما أثاروه من الشبهات حولهم، مما قصه الله تعالى علينا في أخبارهم، ثم إنَّ الداعي بفقهه هذه الحقيقة يعلم مدى ما يبلغ الضلال بالإنسان؛ بحيث يجعله يخاصم رسل الله الذين يريدون شفاءه من الأمراض، وخلاصه من النيران، وإدخاله في الجنان، وأخيرًا فإنَّ فقه هذه الأمور لازمة لكل مسلم بلا استثناء؛ ليميز الخبيث من الطيب، وحتى لا يتأثَّر بهذه الشبهات فينساق وراءها، ويصير -من حيث لا يشعر- مع الأعداء، ضد الدعاة إلى الله تعالى.

أنواع الشبهات:

٦٦٠- والشبهات أنواع، منها ما يتعلق بالداعي، ومنها ما يتعلق بموضوع الدعوة، ومنها ما يتعلق بعموم المدعوين.

فالذي يتعلق بالداعي يتمثَّل بالطَّعْن في شخصه وسيرته وسلوكه وإلصاق التهم به، ورميه بالسَّفَه والجهالة والضلال والجنون والافتراء، إلى غير ذلك، مما يكون المقصود منه تنفير الناس منه وعدم الثقة به.

والذي يتعلق بموضوع الدعوة يتمثَّل اتِّهَامُها بالابتداع والخروج على مألوفات الناس وتقاليدهم ونظامهم الموروث، مما يراد به تنفير الناس من الدعوة إلى الله وصدّهم عن سبيله.


١ سورة فصلت، الآية: ٤٢.
٢ سورة الذرايات، الآيات: ٥٢، ٥٣.

<<  <   >  >>