للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الناس، وتغيير عقائدهم وتقاليدهم الموروثة، وأنَّ ما جاء به بدعة مضرة ودعوة مفرقة ما سمعوا مثلها من قبل، وأنَّها تؤدي إلى الفساد في الأرض، فيجب أن يقاوم الداعي ودعوته، ويمنع من الاستمرار فيها، قال تعالى حكاية عن أقوام نوح وعاد وثمود وما قالوه لرسلهم، وما أجابتهم به رسلهم لتفنيد هذه الشبهات الباطلة: {قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ، قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} ١، وقال تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} ٢، فالملأ أثاروا في الناس شبهة التقليد والحرص على دين الآباء، وأن رسل الله يريدون صرفهم عن ذلك، وقال تعالى عن قوم نوح: {فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ} ٣، فهم يزعمون أنَّ نوحًا -عليه السلام- يريد اكتساب المنزلة العالية فيهم، والرياسة عليهم، وإظهار الفضل لنفسه بدعوته هذه؛ لأنَّ أهل الباطل يقيسمون أهل الحق بموازينهم المعوجَّة، ويحسبون أنَّ غرض الدعاة إلى الله هو غرض أهل الباطل، من طلب العلوِّ في الأرض والتسلط على رقاب الناس، كما قال فرعون وملؤه لموسى: {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ} ، ثم احتجَّ قوم نوح بأنَّه بشر مثلهم، ولا يستحق -بزعمهم- أن يكون مبلغًا عن الله، وأنَّ الله تعالى لو أراد تبليغهم بشيء لأنزل عليهم ملائكة.

وشبهتهم هذه التي أثاروها مثل شبهة قريش، قال تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ، وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} ٤، أي: لول أنزل الله ملكًا لجعله بصورة رجل


١ سورة إبراهيم الآيات: ١٠، ١١.
٢ سورة سبأ، الآية: ٤٣.
٣ سورة المؤمنون، الآيات: ٢٣، ٢٤.
٤ سورة الأنعام، الآيات: ٨، ٩.

<<  <   >  >>