٦٧٩- ولا يكفي أن يقوم الداعي المسلم بتعليم المستجيب معاني الإسلام، وإنما عليه أن يحمله على العمل بها، وصياغة سلوكه بموجبها ومقتضاها، وهذا هو ما نريده بالتربية مع العلم ... وهكذا كان نهج المسلمين الأولين، قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه: كان الرجل منَّا إذا تعلَّم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن. وقال أبو عبد الرحمن السلمي: حدَّثنا الذين كانوا يقرئوننا أنَّهم كانوا يستقرئون من النبي -صلى الله عليه وسلم، وكانوا إذا تعلَّموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل، فتعلمنا القرآن والعمل جميعًا١.
ضرورة التربية على معاني الإسلام:
٦٨٠- وتربية المسلم على معاني الإسلام وصياغة سلوكه وفق هذه المعاني أمر ضروري لا غنى للمسلم عنه، ومن ثَمَّ وجب على الداعي الاهتمام به، وجعله في مقدَّمة ما يحرص عليه. إنَّ حفظ معاني الإسلام فقط دون أن تمسّ هذه المعاني القلب، ودون أن ينصبغ بها السلوك، لا يفيد في التقويم ولا في صلاح المسلم. إن من يحفظ مناهج الرياضة في تقوية الجسد، ويذكرها إذا سئل عنها، أو يرددها بنفسه دون أن يطبقها فعلًا على نفسه، لا يكتسب صحة جيدة ولا جسمًا قويًّا، وكذا من يعرف الإسلام ويحفظ معانيه دون أن يربِّي نفسه عليها، وفضلًا عن ذلك فإنَّ من يتعلم ولا يعمل بما تعلّم يكون عرضة للانزلاق والانقلاب عند أوّل فتنة أو امتحان، وما أكثر فتن الدنيا واختباراتها، قال تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} ، ولهذا كانت الفترة المكية متميزة بالتربية على معاني الإسلام وفقه أصوله العظيمة التي تقوم عليها العقيدة الإسلامية، وبتلك التربية العميقة الصارمة صفت نفوس أولئك الكرام، وامتلأت بحقائق الإسلام، وصاروا طليعة الإسلام الأُولى