للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإسلام كما في البلاد الوثنية في إفريقيا، ودليل هذا الحذر ما جاء في السيرة: "فلمَّا أسلم أبو بكر -رضي الله عنه- أظهر إسلامه، فجعل يدعو إلى الله وإلى الإسلام من وَثِقَ به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه"١.

٧٠٢- ثانيًا: بالتخفي والاستتار، إحباطًا لكيد الكافرين، وإبعاد أذاهم عن الداعي إلى الله، ودليلنا على ذلك اختفاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه الصديق في الغار.

٧٠٣- ثالثًا: اعتزال القوم والاختفاء عنهم، ودليلنا على ذلك فتية أهل الكهف، وفيهم قال الله تعالى: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا} .

وإذا جاز هذا النوع من الاعتزال جاز ما دونه، كالهجر وعدم المخالطة والتوقف عن نشر الدعوة إلى حين، نزولًا عند حكم الضرورة، وفي هذه الحالة ينبغي للدَّاعي أن ينشغل بنفسه ويقبل على عبادة ربه، ويتأمل في أمور الدعوة والافتكار فيها، إلى أن يزول ما دعاه إلى الاعتزال.

٧٠٤- رابعًا: الخروج إلى المحل الأمين تخلصًا من أذى الكافرين، ودليلنا على ذلك خروج المسلمين إلى الحبشة٢. والواقع أنّ الخروج من أرض الكفرة؛ حيث يتَّجِه كيدهم إلى البطش بالداعي إلى الله، أمر ذكره الله تعالى دون إنكار، مما يدل على مشروعيته في حق الدعاة المسلمين، قال ربنا -تبارك وتعالى: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ، فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} ٣.

٧٠٥- خامسًا: عدم إظهار المسلم إسلامه إذا كان في هذا الإظهار تنكيل الكفرة بالمسلم، قال تعالى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} ٤، وقد قصَّ الله علينا


١ ابن هشام ج١ ص٢٦٨.
٢ ابن هشام ج١ ص٣٤٢.
٣ سورة القصص، الآية: ٢٠،٢١.
٤ سورة غافر، الآية: ٢٧.

<<  <   >  >>