للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصف، وتنفرَّق الآراء، وتعمّ الفوضى والاضطراب، ويكثر الخروج من الجماعة، فيقول الناس: جماعة سوء واختلاف، بسب أهواء ودعاة شرٍّ يريدون إصلاح الناس وينسون إصلاح نفوسهم، فيكون ذلك فتنة شديدة للدعوة إلى الله، وتنفيرًا عمليًّا للناس من الإسلام. إن المَاكينة العظيمة لا يمكن أن تؤدِّي علمها وتحقق غرضها، إلّا إذا سارت جميع أجزائها بانتظام، فإذا أريد لآلة منها الإسراع مع قدرتها على الإسراع، بخلاف ما يقتضيه سير الماكينة، فإن هذه الآلة بسرعتها تضرّ ولا تنفع. وكذلك الفرد في الجماعة، قد يتصوّر أن عملًا ما جيد ونافع فيسارع إليه، خلافًا لسير الجماعة ومتقضيات هذا السير، فيقع الاضطراب، ويحمل الضرر من حيث أراد ذلك الفرد النفع، وقد يكون هذا الفرد حَسَن النية والقصد، وراغبًا في الأجر، ولكن نتائج الأعمال في الدنيا -كما قلنا أكثر من مرة- مبنية على المقدِّمات والأسباب التي تتبعها النتبائج والمسببات.

ما يجب على الرئيس:

٧٢٦- وعلى رئيس الجماعة أن يرفق بمن معه، ويشعرهم بعطفه ورعايته، ولا يغلظ عليهم، ولكنَّ الترفُّق بهم لا يعني إعطاءهم ما يخالف الشرع، ولا أن يفعل ما يهوونه، ويترك ما يكرهونه، إذا كان ذلك منهم لا يبيحه الشرع، قال تعالى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} ١، وقال تعالى للصحابة الكرام: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} ٢، وإنما الإحسان إليهم يكون كما يقول ابن تيمية: بفعل ما ينفعهم في الدين والدنيا ولو كرهه من كرهه، لكن ينبغي له أن يرفق بهم فيما يكرهونه.

٧٢٧- كما يجب على الرئيس أن يسعى إلى بقاء عزيمتهم على العمل في الدعوة إلى الله تعالى، وأن يمنع عنهم المثبِّطات والمفترات، وما يوهن عزائهم ويفتّ في أعضادهم، ويدل على ذلك ما جاء في السنة النبوية في خبر نقض بني قريظة معاهدتها مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم، في وقتٍ كان فيه المسلمون محاصرين في المدينة وراء الخندق الذي


١ سورة المؤمنون، الآية: ٧١.
٢ سورة الحجرات، الآية: ٤٩.

<<  <   >  >>