٧٥٣- ذكرنا في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر القواعد العامَّة، وهذه تسري هنا أيضًا، فلا بُدَّ من فقهٍ وعلم بما يُرَاد إزالته من المنكر من جهة كونه منكرًا تجب إزالته، وكذلك الرفق في إزالته؛ لأنَّ المقصود إزالة المنكر فعلًا، وليس المقصود الانتقام ونحو ذلك، روى البخاري أن أعرابيًّا بال في المسجد، فقام الناس ليقعوا فيه، فقال -صلى الله عليه وسلم:"دعوه وأريقوا على بوله سجِلًّا من ماء، أو نوبًا من ماء، فإنما بعثتم ميسِّرين ولم تبعثوا معسِّرين".
وتجب ملاحظة المصالح والمفاسد وتزاحمها قبل الإقدام على إزالة منكر بعينه؛ ليعرف الداعي ما يترتَّب عليه من أضرار أو منافع، وكذلك ملاحظة ما جاء في القاعدة الرابعة من اختلاط المعروف والمنكر في شخصٍ ما، وأنه إمَّا أن يفعلهما، وإمَّا أن يتركهما سوية، وما يترتب على الإزالة في هذه الحالة في حق هذا الشخص المعين.
٧٥٤- ونضيف هنا إلى القواعد العامَّة في إزالة المنكر ما يأتي:
القاعدة الأولى:
أن تكون عند المزيل القدرة الكافية على هذه الإزالة، ولا شَكَّ في تفاوت الدعاة في هذه القدرة، وأعظمهم قدرة الأمير، أي: من بيده السلطة والأمر والنهي، ولهذا فهو مسئول أكثر من غيره عن إزالة المنكر في بيته؛ لأنه مسلط شرعًا على هذه الإزالة، وله الولاية على بيته، فيكون قادرًا على الإزالة، وبالتالي تجب عليه إلّا إذا عارضها معارض شرعي في بعض جزئيات المنكر من جهةٍ ما، قد عسى أن يترتب على إزالة هذه الجزئية من مفاسد أكبر من المصالح في ضوء القواعد السابقة.
٧٥٥- فإذا عُدِمَ الداعي القدرة على الإزالة، أو استطاع الإزالة ولكن يترتَّب على ذلك منكر أكبر، أو يلحقه ضرر جسيم، ومن الضرر تعطيل عمله المبرور في الدعوة إلى الله، ومنعه الانتقال إلى الإزالة بالقول، فإذا لم يستطعه أيضًا لهذه المحاذير انتقل إلى التغيير بالقلب، كما جاء في الحديث الشريف الذي ذكرناه.
٧٥٦- ومن تطبيقات هذه القاعدة إقرار النبي -صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن أبيّ وأمثاله