للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والحقيقة أنَّ الداعي بسماحته وعفوه وإعراضه عن الجاهلين، وصبره على أذاهم، ينال منهم ما لا يناله بدون هذه الصفات، بل أقول: لا بُدَّ أن تحملهم هذه الصفات العالية إلى قبول الحق ولو بعد حين، إلّا من سبق عليه الكتاب، ولا حول ولا قوة إلّا بالله.

الأصل الثاني للسيرة الحسنة:

٧٦٤- والأصل الثاني موافقة العمل للقول، فليحذر الداعي من مخالفة أفعاله لأقواله، فإنَّ النفس مجبولة على عدم الانتفاع بكلام من لا يعمل بعلمه، ولا يوافق فعله قوله، ولهذا قال شعيب -عليه السلام- لقومه كما جاء في القرآن الكريم: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} ، ولهذا حذَّرنا الله سبحانه من مخالفة أفعالنا لأقولنا، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} ، فليحمل الداعي نفسه دائمًا على موافقة أفعاله لأقواله، فإنَّ هذا أدعى للإقبال عليه وقبول قوله.

الخاتمة:

٧٦٥- هذا ما يسره الله تعالى في بيان أصول الدعوة إلى الله -تبارك وتعالى، فإن كان صوابًا فهو محض فضل الله عليَّ، وإن كان فيه خطأ أو زلل، فاستغفر الله تعالى، والله ورسوله بريئان منه، فأنِّي كما قال ربنا -تبارك وتعالى- على لسان أحد أنبيائه الكرام: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} ، وأخيرًا، فأني أسأل الله تعالى، وهو خير مسئول، أن ينفع بهذه الفصول كاتبها وقارئها، وأن يجعلنا من الذين قال الله تعالى فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ، دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ١، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

-انتهى-


١ سورة يونس، الآية ٩، ١٠.

<<  <   >  >>