للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا الكمال والتمام لا داعي لمجيء شريعة أخرى، وحيث لا شريعة أخرى فلا رسول آخر بعد محمد -صلى الله عليه وسلم.

٧٤- وعموم الشريعة الإسلامية وبقاؤها وعدم قابليتها للنسخ والتبديل والتغيير بالتنقيص أو الزيادة، كل ذلك يستلزم عقلًا وعدلًا أن تكون قواعدها وأحكامها ومبادئها وجميع ما جاءت به على نحوٍ يحقق مصالح الناس في كل عصر ومكان، ويفي بحاجاتهم ولا يضيق بها، ولا يختلف عن أي مستوى عالٍ يبلغه المجتمع البشري. إنَّ هذا والحمد لله متوافر في الشريعة الإسلامية؛ لأن الله تعالى وهو العليم الخبير؛ إذ جعلها عامَّة في المكان والزمان، وخاتمة لجميع الشرائع، جعل قواعدها وأحكامها صالحة لكل زمان ومكان، ومهيأة للبقاء والاستمرار لهذا العموم. إنَّ ما نقوله هو الحق، ويدل عليه واقع الشريعة الإسلامية وطبيعة مبادئها وأحكامها وأفكارها ومناهجها، ولا بُدَّ هنا من بيانٍ موجز كل الإيجاز لإظهار هذا المعنى، وإثبات صحة ما نقوله بالأدلة والبراهين.

الدليل الأول: مكانة المصلحة في الشريعة

٧٥- يقوم هذا الدليل على إظهار مدى حرص الشريعة الإسلامية على مصالح الناس الحقيقية ودرء المفاسد عنهم، والواقع أنَّ الشريعة الإسلامية ما شرِّعت إلّا لتحقيق مصالح العباد في العاجل والآجل، أي: في الدنيا والآخرة، ودرء المفاسد والأضرار عنهم في العاجل والآجل أيضًا، حتى إنَّ بعض الفقهاء قال -وقوله حق: "إنَّ الشريعة كلها مصالح، إمَّا درء مفاسد أو جلب مصالح"، وقد يظن البعض أنَّ هذا القول مبالع فيه، والواقع أنه لا مبالغة فيه؛ لأنَّ ما قلناه عنها، ونقلنا قول بعض الفقهاء عنها، وصفٌ ثابت للشريعة ولكل حكم من أحكامها، فلا يخرج شيء منها عن هذا الوصف أو الغرض العامِّ الذي تريد الشريعة تحقيقه للعباد في عاجلهم وآجلهم، ونكتفي هنا بذكر بعض الأدلة الجزئية على هذه الحقيقة التي تكون البرهان الأول.

٧٦- أ- قال تعالى في تعليل رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} ، والرحمة تتضمَّن قطعًا رعاية مصالح العباد ودرء المفاسد عنهم، ولا يمكن أن تكون رحمةً إذا أغفلت هذه المصالح.

<<  <   >  >>