للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جائر فقتله"، ولا يعترض علينا هنا بأنَّ إلقاء الإنسان نفسه في التهلكة لا يجوز، وهذه تهلكة، قال تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} ؛ لأننا نقول: إن الاستشهاد في سبيل الله مكرمة لا تهلكة، وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باليد أو باللسان ضرب من ضروب الجهاد المشروع؛ لما يترتَّب عليه من تقوية نفوس المحقين وخذلان المبطلين وإيقاف الظالمين عند حدهم.

تاسعًا: والكلام بالباطل حرام يجب تركه، والترك هنا من معاني المستوى الأدنى، والثرثرة وكثرة الكلام بما لا يفيد ولا ينفع مكروه وإن لم يكن فيه باطل، جاء في الحديث الشريف: "إن الله يكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال"، فالكلام الكثير بما لا ينفع مكروه تركه أفضل، وهذا من معاني المستوى الأعلى.

عاشرًا: والإكراه على الكفر بالتهديد بالقتل يسوغ للمكرَه أن يقول كلمة الكفر بشرط اطمئنان القلب بالإيمان، رخصةً من رخص الإسلام، وهي من معاني الحد الأدنى، قال تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} ، والمندوب إليه عدم قول الكفر وإن أدى ذلك إلى قتله، وهذا من معاني المستوى الأعلى.

١١١- ولا تقف واقعية الإسلام عند الحد الذي ذكرناه وهو وضعه مستويين للكمال: أدنى وأعلى، وإنما تظهر واقعية الإسلام في أمرٍ آخر، هو إيجاد المخارج المشروعة للمسلم في أوقات الشدة والضيق، وعدم إلزامه بما كان لازمًا له أو واجبًا عليه، أو محرَّمًا عليه في الأوقات العادية، وعلى هذا الأساس جاءت الرخص كلها، وجاءت القاعدة الفقهية: "الضرورات تبيح المحظورات"؛ لأن النفوس قد لا تقوى على الاستمرار بما يريده الإسلام في الظروف القاسية والأحوال الاضطرارية، فتقع في المعصية، فخفَّف الإسلام عنها بما شرعه من رُخَصٍ، ومنها: إباحة أكل الميتة عند الجوع الشديد الذي يخاف فيه تلف النفس، وإباحة ترك الواجب مثل الفطر في رمضان للمريض والمسافر، وإباحة الصلاة للمريض وهو قاعد إذا كان لا يقوى على الوقوف.

١١٢- وبهذه المثالية والواقعية في الإسلام يستطيع المسلم أن يحقق لنفسه الكمال المقدور له بيسر واعتدال وشمول، وبما يوافق الفطرة دون إرهاق ولا حرج ولا انعزال عن الحياة وأهلها.

<<  <   >  >>