لِكَوْنِهِ جَاءَ بَعْدَ الصَّلِيبِ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَكَوْنُهُ قَامَ مِنْ قَبْرِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا نَعْرِفُ مَا الْمُرَادُ بِهَذَا الْفَارَقْلِيطِ وَلَا يَتَحَقَّقُ لَنَا مَعْنَاهُ.
وَمَنْ تَأَمَّلَ أَلْفَاظَ الْإِنْجِيلِ وَسِيَاقَهَا عَلِمَ أَنَّ تَفْسِيرَهُ بِالرُّوحِ بَاطِلٌ، وَأَبْطَلُ مِنْهُ تَفْسِيرُهُ بِالْأَلْسُنِ النَّارِيَّةِ، وَأَبْطَلُ مِنْهُمَا تَفْسِيرُهُ بِالْمَسِيحِ، فَإِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ لَا زَالَتْ تَنْزِلُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ قَبْلَ الْمَسِيحِ وَبَعْدَهُ، وَلَيْسَتْ مَوْصُوفَةً بِهَذِهِ الصِّفَاتِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ.
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا كَانَ يَهْجُو الْمُشْرِكِينَ: اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ. وَقَالَ: إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ مَعَكَ مَا زِلْتَ تُنَافِحُ عَنْ نَبِيِّهِ.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، وَلَمْ يُسَمِّ أَحَدٌ هَذِهِ الرُّوحَ فَارَقْلِيطًا، عُلِمَ أَنَّ الْبَارَقْلِيطَ هُوَ أَمْرٌ غَيْرُ هَذَا، وَأَيْضًا فَمِثْلُ هَذِهِ الرُّوحِ لَا زَالَتْ يُؤَيَّدُ بِهَا الْأَنْبِيَاءُ وَالصَّالِحُونَ، وَمَا بَشَّرَ بِهِ الْمَسِيحُ وَوَعَدَ بِهِ أَمْرٌ عَظِيمٌ يَأْتِي بَعْدَهُ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا. فَإِنَّهُ وَصَفَ الْبَارَقْلِيطَ بِصِفَاتٍ لَا تَنَاسُبَ هَذِهِ الرُّوحِ، وَإِنَّمَا تُنَاسِبُ رَجُلًا يَأْتِي بَعْدَهُ نَظِيرًا لَهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونِي فَاحْفَظُوا وَصَايَايَ، وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الْأَبِ أَنْ يُعْطِيَكُمْ فَارَقْلِيطًا آخَرَ يَثْبُتُ مَعَكُمْ إِلَى الْأَبَدِ، فَقَوْلُهُ: فَارَقْلِيطًا آخَرَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ ثَانٍ لِأَوَّلٍ كَانَ قَبْلَهُ، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute