تَعَالَى: وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ.
وَأَخْبَرَ أَنَّهُ يُوَبِّخُ الْعَالَمَ عَلَى الْخَطِيئَةِ، وَهَذَا يَسْتَحِيلُ حَمْلُهُ عَلَى مَعْنًى يَقُومُ بِقَلْبِ الْحَوَارِيِّينَ، فَإِنَّهُمْ آمَنُوا بِهِ وَشَهِدُوا لَهُ قَبْلَ ذِهَابِهِ، فَكَيْفَ يَقُولُ: إِذَا جَاءَ فَإِنَّهُ يَشْهَدُ لِي، وَيُوصِيهِمْ بِالْإِيمَانِ بِهِ، أَفَتَرَى الْحَوَارِيِّينَ لَمْ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ بِالْمَسِيحِ، فَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ جَهْلِ النَّصَارَى وَضَلَالِهِمْ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ وَبَّخَ جَمِيعَ الْعَالِمِ عَلَى الْخَطِيئَةِ إِلَّا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ أَنْذَرَ جَمِيعَ الْعَالَمِ مِنْ أَصْنَافِ النَّاسِ وَوَبَّخَهُمْ عَلَى الْخَطِيئَةِ مِنَ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ، وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى مُجَرَّدِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ بَلْ وَبَّخَهُمْ وَفَزَّعَهُمْ وَتَهَدَّدَهُمْ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَيْسَ يَنْطِقُ مِنْ عِنْدِهِ بَلْ يَتَكَلَّمُ بِكُلِّ مَا يَسْمَعُ. وَهَذَا إِخْبَارٌ بِأَنَّ كُلَّ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ فَهُوَ وَحْيٌ يَسْمَعُهُ، لَيْسَ هُوَ شَيْءٌ تَعَلَّمُهُ مِنَ النَّاسِ أَوْ عَرَفَهُ بِاسْتِنْبَاطٍ، وَهَذِهِ خَاصَّةٌ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَمَّا الْمَسِيحُ فَكَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ بِمَا جَاءَ بِهِ مُوسَى قَبْلَهُ يُشَارِكُ بِهِ أَهْلَ الْكِتَابِ، تَلَقَّاهُ عَمَّنْ قَبْلَهُ، ثُمَّ جَاءَهُ وَحْيٌ خَاصٌّ مِنَ اللَّهِ فَوْقَ مَا كَانَ عِنْدَهُ، قَالَ تَعَالَى: وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّهُ يُعَلِّمُهُ التَّوْرَاةَ الَّتِي تَعَلَّمَهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَزَادَهُ تَعْلِيمَ الْإِنْجِيلِ الَّذِي اخْتُصَّ بِهِ، وَالْكِتَابَ الَّذِي هُوَ الْكِتَابَةُ، وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ تَعَلَّمَ قَبْلَ الْوَحْيِ شَيْئًا أَلْبَتَّةَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute