وَقَالَ تَعَالَى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ، فَلَمْ يَكُنْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْطِقُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، بَلْ إِنَّمَا كَانَ نُطْقُهُ بِالْوَحْيِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى وَهَذَا مُطَابِقٌ لِقَوْلِ الْمَسِيحِ: إِنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ بَلْ إِنَّمَا يَتَكَلَّمُ بِمَا يُوحَى إِلَيْهِ.
فَاللَّهُ تَعَالَى أَمْرَهُ أَنْ يُبَلِّغَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ، وَضَمِنَ لَهُ الْعِصْمَةَ فِي تَبْلِيغِ رِسَالَاتِهِ، فَلِهَذَا أَرْشَدَ النَّاسَ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ، وَأَلْقَى إِلَى النَّاسِ مَا لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أَلْقَاهُ خَوْفًا أَنْ يَقْتُلَهُ قَوْمُهُ، وَقَدْ أَخْبَرَ الْمَسِيحُ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ لَهُمْ جَمِيعَ مَا عِنْدَهُ، وَأَنَّهُمْ لَا يُطِيقُونَ حَمْلَهُ، وَهُمْ مُعْتَرِفُونَ بِأَنَّهُ كَانَ يَخَافُ مِنْهُمْ إِذَا أَخْبَرَهُمْ بِحَقَائِقِ الْأُمُورِ، وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّدَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَأْيِيدًا لَمْ يُؤَيِّدْهُ لِغَيْرِهِ، فَعَصَمَهُ مِنَ النَّاسِ حَتَّى لَمْ يَخَفْ مِنْ شَيْءٍ يَقُولُهُ، وَأَعْطَاهُ مِنَ الْبَيَانِ وَالْعِلْمِ مَا لَمْ يُؤْتِهِ غَيْرَهُ.
فَالْكِتَابُ الَّذِي بُعِثَ بِهِ، فِيهِ بَيَانُ حَقَائِقِ الْغَيْبِ مَا لَيْسَ فِي كِتَابِ غَيْرِهِ، وَأَيَّدَ أُمَّتَهُ تَأْيِيدًا طَاقَتْ بِهِ حَمْلَ مَا أَلْقَاهُ إِلَيْهِمْ، فَلَمْ يَكُونُوا كَأَهْلِ التَّوْرَاةِ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا، وَلَا كَأَهْلِ الْإِنْجِيلِ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ الْمَسِيحَ: إِنَّ لِي كَلَامًا كَثِيرًا أُرِيدُ أَنْ أَقُولَهُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تَسْتَطِيعُونَ حَمْلَهُ.
وَلَا رَيْبَ أَنَّ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْمَلُ عُقُولًا، وَأَعْظَمُ إِيمَانًا، وَأَتَمُّ تَصْدِيقًا وَجِهَادًا، وَلِهَذَا كَانَتْ عُلُومُهُمْ وَأَعْمَالُهُمُ الْقَلْبِيَّةُ وَإِيمَانُهُمْ أَعْظَمَ، وَكَانَتِ الْعِبَادَاتُ الْبَدَنِيَّةُ لِغَيْرِهِمْ أَعْظَمُ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ أَخْبَرَ عَنِ الْفَارَقْلِيطِ أَنَّهُ يَشْهَدُ لَهُ، وَأَنَّهُ يُعَلِّمُهُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَأَنَّهُ يُذَكِّرُهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute