كُلَّ مَا قَالَ الْمَسِيحُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا إِذَا شَهِدَ لَهُ شَهَادَةً يَسْمَعُهَا النَّاسُ عَامَّةً، لَا يَكُونُ هَذَا فِي قَلْبِ طَائِفَةٍ قَلِيلَةٍ، وَلَمْ يَشْهَدْ أَحَدٌ لِلْمَسِيحِ شَهَادَةً يَسْمَعُهَا عَامَّةُ النَّاسِ إِلَّا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ أَظْهَرَ أَمْرَ الْمَسِيحِ وَشَهِدَ لَهُ بِالْحَقِّ، حَتَّى سَمِعَ شَهَادَتَهُ لَهُ عَامَّةُ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَعَلِمُوا أَنَّهُ صَدَّقَ الْمَسِيحَ وَنَزَّهَهُ عَمَّا يَقُولُهُ عَلَيْهِ الْيَهُودُ مِنَ الِافْتِرَاءِ وَمَا غَلَتْ فِيهِ النَّصَارَى.
فَهُوَ الَّذِي شَهِدَ لَهُ بِالْحَقِّ. وَلِهَذَا لَمَّا سَمِعَ النَّجَاشِيُّ مِنَ الصَّحَابَةِ مَا شَهِدَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمَسِيحِ، قَالَ لَهُمْ: مَا زَادَ عِيسَى عَلَى مَا قُلْتُمْ هَذَا الْعُودَ.
وَجَعَلَ اللَّهُ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ، يَشْهَدُونَ عَلَيْهِ بِمَا عَلِمُوا مِنَ الْحَقِّ، إِذْ كَانُوا وَسَطًا عُدُولًا لَا يَشْهَدُونَ بِبَاطِلٍ، فَإِنَّ الشَّاهِدَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَدْلًا، بِخِلَافِ مَنْ جَارَ فِي شَهَادَتِهِ فَزَادَ عَلَى الْحَقِّ أَوْ نَقَصَ مِنْهُ، كَشَهَادَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي الْمَسِيحِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ مَعْنَى الْفَارَقْلِيطِ: إِنْ كَانَ هُوَ الْحَامِدُ أَوِ الْحَمَّادُ أَوِ الْمَحْمُودُ أَوِ الْحَمْدُ، فَهَذَا وَصْفٌ ظَاهِرٌ فِي مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ وَأُمَّتُهُ الْحَامِدُونَ الَّذِينَ يَحْمَدُونَ اللَّهَ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَهُوَ صَاحِبُ لِوَاءِ الْحَمْدِ، وَالْحَمْدُ مِفْتَاحُ خُطْبَتِهِ، وَمِفْتَاحُ صَلَاتِهِ، وَلَمَّا كَانَ حَمَّادًا سُمِّيَ بِمِثْلِ وَصْفِهِ مُحَمَّدًا عَلَى وَزْنِ: مُكَرَّمٍ وَمُقَدَّسٍ وَمُعَظَّمٍ، وَهُوَ الَّذِي يَحْمَدُ أَكْثَرَ مَا يَحْمَدُ غَيْرُهُ، وَيَسْتَحِقُّ ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ حَمَّادًا لِلَّهِ كَانَ مُحَمَّدًا، وَفِي ... شَعْرِ حِسَانٍ:
أَغَرُّ عَلَيْهِ لِلنُّبُوَّةِ خَاتَمٌ ... مِنَ اللَّهِ مَيْمُونٌ يَلُوحُ وَيَشْهَدُ ... وَضَمَّ الْإِلَهُ اسْمَ النَّبِيِّ إِلَى اسْمِهِ
إِذَا قَالَ فِي الْخَمْسِ الْمُؤَذِّنُ أَشْهَدُ ... وَشَقَّ لَهُ مِنَ اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ
فَذُو الْعَرْشِ مَحْمُودٌ وَهَذَا مُحَمَّدُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute