وَأَمَّا أَحْمَدُ فَهُوَ أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ، أَيْ هُوَ أَحْمَدُ مِنْ غَيْرِهِ، أَيْ أَحَقُّ بِأَنْ يَكُونَ مَحْمُودًا أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ، يُقَالُ: هَذَا أَحْمَدُ مِنْ هَذَا، أَيْ هَذَا أَحَقُّ بِأَنْ يُحْمَدَ مِنْ هَذَا، فَيَكُونُ فِيهِ تَفْضِيلٌ عَلَى غَيْرِهِ فِي كَوْنِهِ مَحْمُودًا. فَلَفَظُ مُحَمَّدٍ يَقْتَضِي زِيَادَةً فِي الْكَمِّيَّةِ، وَلَفْظُ أَحْمَدَ يَقْتَضِي زِيَادَةً فِي الْكَيْفِيَّةِ.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَكْثَرَ حَمْدًا لِلَّهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ بِمَعْنَى الْحَامِدِ وَالْحَمَّادِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ بِمَعْنَى الْمَحْمُودِ.
وَإِذَا كَانَ الْفَارَقْلِيطُ بِمَعْنَى الْحَمْدِ، فَهُوَ تَسْمِيَةٌ بِالْمَصْدَرِ مُبَالَغَةً فِي كَثْرَةِ الْحَمْدِ، كَمَا يُقَالُ: رَجُلٌ عَدْلٌ وَرِضًى وَنَظَائِرُ ذَلِكَ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ سِرُّ مَا أَخْبَرَ بِهِ الْقُرْآنُ عَنِ الْمَسِيحِ مِنْ قَوْلِهِ: وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ.
فَإِنَّ هَذَا هُوَ مَعْنَى الْفَارَقْلِيطِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَفِي التَّوْرَاةِ مَا تَرْجَمَتُهُ بِالْعَرَبِيَّةِ: (وَأَمَّا فِي إِسْمَاعِيلَ فَقَدْ قَبِلْتُ دُعَاءَكَ قَدْ بَارَكْتُ فِيهِ وَأَثْمَرْتُ، وَأُكَثِّرُهُ بِـ (مُؤَدَ مُؤَدَ) هَذِهِ اللَّفْظَةُ " مُؤَدَ مُؤَدَ " عَلَى وَزْنِ عُمَرَ، وَقَدِ اخْتَلَفَتْ فِيهَا عُلَمَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَطَائِفَةٌ تَقُولُ: مَعْنَاهَا جِدًّا جِدًّا: أَيْ كَثِيرًا كَثِيرًا، فَإِنْ كَانَ هَذَا مَعْنَاهَا فَهُوَ بِشَارَةٌ بِمَنْ عَظُمَ مِنْ نَبِيِّهِ كَثِيرًا كَثِيرًا، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُعَظَّمْ مِنْ نَبِيِّهِ أَكْثَرَ مِمَّا عُظِّمَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى: بَلْ هِيَ صَرِيحُ اسْمِ مُحَمَّدٍ، قَالُوا: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ أَلْفَاظَ الْعِبْرَانِيَّةِ قَرِيبَةٌ مِنْ أَلْفَاظِ الْعَرَبِيَّةِ، فَهِيَ أَقْرَبُ اللُّغَاتِ إِلَى الْعَرَبِيَّةِ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ لِإِسْمَاعِيلَ شَمَاعِيلَ، وَسَمِعْتُكَ شَمِعْتَخَا، (وَأَنَا: أَنُو) ، وَقَدَّسَكَ: قَدْ شَتْخَا، وَأَنْتَ أَتَا، وَإِسْرَائِيلُ: يِسْرَائِيلُ، وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ فِي التَّوْرَاةِ: (قدش لي خل بخور ريحم ببني يسرائيل بأدام وببهيما لِي) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute