الْأَمْرِ شَيْءٌ، كَيْفَ وَهِيَ شَاهِدَةٌ بِنُبُوَّةِ الْمَسِيحِ وَبِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعًا، فَإِنَّهُ لَمَّا جَاءَ صَارَ الْأَمْرُ لَهُ دُونَ الْمَسِيحِ. فَوَجَبَ عَلَى الْعَالَمِ كُلِّهِمْ طَاعَتُهُ وَالِانْقِيَادُ لَهُ وَلِأَمْرِهِ، وَصَارَ الْأَمْرُ لَهُ حَقِيقَةً. وَلَمْ يَبْقَ بِأَيْدِي النَّصَارَى إِلَّا دِينٌ بَاطِلُهُ أَضْعَافُ أَضْعَافِ حَقِّهِ، وَحَقُّهُ مَنْسُوخٌ بِمَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَطَابَقَ قَوْلُ الْمَسِيحِ قَوْلَ أَخِيهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَنْزِلُ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا وَإِمَامًا مُقْسِطًا فَيَحْكُمُ بِكِتَابِ رَبِّكُمْ، وَقَوْلُهُ فِي اللَّفْظِ الْآخَرِ: فَأَمَّكُمْ بِكِتَابِ رَبِّكُمْ، فَتَطَابَقَ قَوْلُ الرَّسُولَيْنِ الْكَرِيمَيْنِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ، وَبَشَّرَ الْأَوَّلُ بِالثَّانِيِّ، وَصَدَّقَ الثَّانِي بِالْأَوَّلِ.
وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ فِي الْبِشَارَةِ الْأُخْرَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الْحَجَرِ الَّذِي أَخَّرَهُ الْبَنَّاءُونَ صَارَ أُسًّا لِلزَّاوِيَةِ؟ كَيْفَ تَجِدُهُ مُطَابِقًا لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارًا فَأَكْمَلَهَا وَأَتَمَّهَا إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْهَا، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهَا وَيَعْجَبُونَ مِنْهَا، وَيَقُولُونَ هَلَّا وُضِعْتَ تِلْكَ اللَّبِنَةُ؟ فَكُنْتُ أَنا تِلْكَ اللَّبِنَةَ.
وَتَأَمَّلْ قَوْلَ الْمَسِيحِ فِي هَذِهِ الْبِشَارَةِ: إِنَّ ذَلِكَ لِعَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا، وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ فِيهَا: إِنَّ مَلَكُوتَ اللَّهِ سَيُؤْخَذُ مِنْكُمْ وَيُدْفَعُ إِلَى أُمَّةٍ أُخْرَى، كَيْفَ تَجِدُهُ مُطَابِقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute