الَّتِي تَقْتُلُ الْأَنْبِيَاءَ وَتَرْحَمُ مَنْ بُعِثَ إِلَيْكِ، قَدْ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ بَنِيكِ كَجَمْعِ الدَّجَاجَةِ فَرَارِيجَهَا تَحْتَ جَنَاحِهَا وَكَرِهْتِ أَنْتِ ذَلِكَ، سَأُقْفِرُ عَلَيْكُمْ بَيْتَكُمْ، وَأَنَا أَقُولُ لَا تَرَوْنِي الْآنَ حَتَّى يَأْتِيَ مَنْ يَقُولُونَ لَهُ مُبَارَكٌ، يَأْتِي عَلَى اسْمِ اللَّهِ.
فَأَخْبَرَهُمُ الْمَسِيحُ أَنَّهُمْ لَا بُدَّ أَنْ يَسْتَوْفُوا الصَّاعَ الَّذِي قُدِّرَ لَهُمْ، وَأَنَّهُ سَيُقْفِرُ بَيْتَهُمْ أَيْ يُخْلِيهِ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُ يَذْهَبُ عَنْهُمْ فَلَا يَرَوْنَهُ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُبَارَكُ الَّذِي يَأْتِي عَلَى اسْمِ اللَّهِ. فَهُوَ الَّذِي انْتَقَمَ بَعْدَهُ لِدِمَاءِ الْمُؤْمِنِينَ. وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلِهِ فِي الْمَوْضِعِ الْآخَرِ: إِنَّ خَيْرًا لَكُمْ أَنْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ حَتَّى يَأْتِيَكُمُ الْبَارَقْلِيطُ فَإِنَّهُ لَا يَجِيءُ مَا لَمْ أَذْهَبْ. وَقَوْلُهُ أَيْضًا: ابْنُ الْبَشَرِ ذَاهِبٌ، وَالْبَارَقْلِيطُ مِنْ بَعْدَهُ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ: أَنَا ذَاهِبٌ وَسَيَأْتِيكُمُ الْبَارَقْلِيطُ.
وَالْمُبَارَكُ الَّذِي جَاءَ بَعْدَ الْمَسِيحِ هُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ.
قَوْلُهُ فِي إِنْجِيلِ مَتَّى: إِنَّهُ لَمَّا حُبِسَ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بَعَثَ تَلَامِيذَهُ إِلَى الْمَسِيحِ، وَقَالَ لَهُمْ: قُولُوا لَهُ: أَنْتَ إِيلِيَا أَمْ نَتَوَقَّعُ غَيْرَكَ؟، فَقَالَ الْمَسِيحُ: الْحَقُّ الْيَقِينُ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لَمْ تَقُمِ النِّسَاءُ عَنْ أَفْضَلَ مِنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا، وَإِنَّ التَّوْرَاةَ وَكُتُبَ الْأَنْبِيَاءِ يَتْلُو بَعْضُهَا بَعْضًا بِالنُّبُوَّةِ وَالْوَحْيِ، حَتَّى جَاءَ يَحْيَى، وَأَمَّا الْآنُ فَإِنْ شِئْتُمْ فَاقْبَلُوا فَإِنَّ (إِيلَ) مُزْمِعٌ أَنْ يَأْتِيَ، فَمَنْ كَانَتْ لَهُ أُذُنَانِ سَامِعَتَانِ فَلْيَسْتَمِعْ.
وَهَذِهِ بِشَارَةٌ بِمَجِيءِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الَّذِي هُوَ (إِيلُ) بِالْعِبْرَانِيَّةِ، وَمَجِيئِهُ هُوَ مَجِيءُ رَسُولِهِ وَكِتَابِهِ وَدِينِهِ، كَمَا فِي التَّوْرَاةِ: جَاءَ اللَّهُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ، قَالَ بَعْضُ عُبَّادِ الصَّلِيبِ: إِنَّمَا بَشَّرَ بِإِلْيَاسِ النَّبِيِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute