هَدْأَةٍ مِنَ اللَّيْلِ فَطَرَحَ ثَوْبَيْهِ، ثُمَّ انْجَدَلَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَوَاللَّهِ مَا نَامَ وَلَا قَامَ حَتَّى أَصْبَحَ، وَأَصْبَحَ كَئِيبًا حَزِينًا مَا يُكَلِّمُنَا وَلَا نُكَلِّمُهُ، فَسِرْنَا لَيْلَتَيْنِ عَلَى مَا بِهِ مِنَ الْهَمِّ، وَقُلْتُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ الَّذِي رَجَعْتَ بِهِ مِنْ عِنْدِ صَاحِبِكَ، قَالَ: لِمُنْقَلَبِي؟ فَقُلْتُ: وَهَلْ لَكَ مِنْ مُنْقَلَبٍ؟ قَالَ: إِي وَاللَّهِ لَأَمُوتَنَّ وَلَأُحَاسَبَنَّ، قُلْتُ: فَهَلْ أَنْتَ قَابِلٌ أَمَانِي؟ قَالَ: عَلَى مَاذَا؟ قُلْتُ: إِنَّكَ لَا تُبْعَثُ وَلَا تُحَاسَبُ، فَضَحِكَ وَقَالَ: بَلَى وَاللَّهِ لَنُبْعَثَنَّ وَلَنُحَاسَبَنَّ، وَلَيُدْخُلَنَّ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ، قُلْتُ: فَفِي أَيِّهِمَا أَنْتَ أَخْبَرَكَ صَاحِبُكَ؟ قَالَ: لَا عِلْمَ لِصَاحِبِي بِذَلِكَ فِيَّ وَلَا فِي نَفْسِهِ، فَكُنَّا فِي ذَلِكَ لَيْلَنَا يَعْجَبُ مِنَّا وَنَضْحَكُ مِنْهُ حَتَّى قَدِمْنَا غُوطَةَ دِمَشْقَ، فَبِعْنَا مَتَاعَنَا، وَأَقَمْنَا شَهْرَيْنِ، ثُمَّ ارْتَحَلْنَا حَتَّى نَزَلْنَا قَرْيَةً مِنْ قُرَى النَّصَارَى فَلَمَّا رَأَوْهُ جَاءُوهُ وَأَهْدَوْا لَهُ وَذَهَبَ مَعَهُمْ إِلَى بَيْعَتِهِمْ، حَتَّى جَاءَنَا بَعْدَ هَدْأَةٍ مِنَ اللَّيْلِ فَطَرَحَ ثَوْبَيْهِ، ثُمَّ رَمَى بِنَفْسِهِ عَلَى فِرَاشِهِ، فَوَاللَّهِ مَا نَامَ وَلَا قَامَ حَتَّى أَصْبَحَ مَبْثُوثًا حَزِينًا، وَلَا يُكَلِّمُنَا وَلَا نُكَلِّمُهُ. فَرَحَلْنَا فَسِرْنَا لَيَالِيَ، ثُمَّ قَالَ: يَا صَخْرُ، حَدِّثْنِي عَنْ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، أَيَجْتَنِبُ الْمَحَارِمَ وَالْمَظَالِمَ؟ قُلْتُ: أَيْ وَاللَّهِ، قَالَ: أَوَيَصِلُّ الرَّحِمَ وَيَأْمُرُ بِصِلَتِهَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَكَرِيمُ الطَّرَفَيْنِ وَسِيطٌ فِي الْعَشِيرَةِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَهَلْ تَعْلَمُ قُرَيْشًا أَشْرَفَ مِنْهُ؟ قُلْتُ: لَا وَاللَّهِ، قَالَ أَمُحْوَجٌ هُوَ؟ قُلْتُ: لَا بَلْ هُوَ ذُو مَالٍ كَثِيرٍ، قَالَ: كَمْ أَتَى لَهُ مِنَ السِّنِينَ؟ قُلْتُ: هُوَ ابْنُ سَبْعِينَ قَدْ قَارَبَهَا، قَالَ: فَالسِّنُّ وَالشَّرَفُ أَزْرَيَا بِهِ، قُلْتُ: وَاللَّهِ بَلْ زَادَهُ خَيْرًا، قَالَ: هُوَ ذَاكَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الَّذِي رَأَيْتَ بِي أَنِّي جِئْتُ هَذَا الْعَالِمَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ هَذَا الَّذِي يُنْتَظَرُ، فَقَالَ: رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ تَحُجُّهُ الْعَرَبُ، فَقُلْتُ: فِينَا بَيْتٌ تَحُجُّهُ الْعَرَبُ، قَالَ هُوَ مِنْ إِخْوَانِكُمْ وَجِيرَانِكُمْ مِنْ قُرَيْشٍ، فَأَصَابَنِي شَيْءٌ مَا أَصَابَنِي مِثْلَهُ، إِذْ خَرَجَ مِنْ يَدِي فَوْزُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَكُنْتُ أَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَقُلْتُ: فَصِفْهُ لِي؟ فَقَالَ: رَجُلٌ شَابٌّ حِينَ دَخَلَ فِي الْكُهُولَةِ، بَدْؤُ أَمْرِهِ أَنَّهُ يَجْتَنِبُ الْمَحَارِمَ وَالْمَظَالِمَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute